حاسة اللمس عند النبي صلى الله عليه وسلم
- التفاصيل
- التصنيف: بشريته
- تم إنشاءه بتاريخ 16 أيلول/سبتمبر 2013
- كتب بواسطة: محمد أبي الهدى اليعقوبي
- زيارات: 3877
أيها الإخوة المؤمنون.. هذه آخر حلقة في سلسلة حواس المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقد تحدثنا عن السمع والبصر والشم والذوق، وبقي الحديث عن اللمس، عن يد المصطفى عليه الصلاة والسلام وراحته، وأثر لمسه عليه الصلاة والسلام، وبركة يده عليه الصلاة والسلام.
ولا بد قبل ذلك من بيان صفة لون جلده الشريف عليه الصلاة والسلام، لتتضح لنا صورة النبي عليه الصلاة والسلام، حتى إذا رآه الواحد منا في منامه يميزه في صفته، فقد (كان النبي عليه الصلاة والسلام أبيض مليحاً مقصَّداً) كان عليه الصلاة والسلام أبيض، أي لم يكن أسمر، كان عليه الصلاة والسلام مليحاً، أي به الحسن كله، وكان مقصَّداً أي متوسطاً في كل مراتب الجمال، والتوسط هنا معناه: أنه أفضل كل شيء وأحسنه.
ولا بد من الاستطراد هنا إلى معنى قوله تبارك وتعالى: )وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً( [البقرة،143]، لأن الحديث يدور الآن فيما بين بعض الدعاة إلى الله تبارك وتعالى، وفي بعض وسائل الإعلام عن الوسطية، ويقصدون في هذا العصر الوسطية بين الحق والباطل، ويستشهدون خطأ بهذه الآية، وكذلك جعلناكم أمة وسطاً، أي الوسط فيما بين هذا وذاك من الحق والصواب والخطأ والضلال، وهذا أيها الإخوة خطأ في الفهم، لأن الوسط هو الخيار، (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً) أي خيار الأمم، خيار الناس، وهذا مأخوذ من واسطة العقد، وأوسط الشيء خيره وأحسنه، والعقد حبات من الدر نظمن من العنق إلى الصدر يتناظرن، كل حبتين متناظرتان إلى أن يصل العقد إلى وسطه، فلا تجد فيه إلا حبة واحدة هي الدرة اليتيمة التي لا أخت لها، ودائماً تكون أسفل العقد، وهي أوسطه وخيره، من أجل ذلك وصف نسب المصطفى عليه الصلاة والسلام في السيرة بأنه كان من أوسطهم نسباً، أي لم يكن هناك من هو أعلى منه، وإنما كان هو الخيار عليه الصلاة والسلام، هذا معنى الوسط كما ينبغي لنا أن نفهمه أيها الإخوة، الوسط هو الخيار، فالوسط هو الحق، والوسطية يجب أن تعني التمسك بالدين، والتمسك بالشريعة، والتمسك بالأحكام الفقهية، لا أن نغير ولا أن نبدل ولا نحرف باسم الحداثة، وباسم مجاراة العصر، وباسم التقرب إلى أهل الأديان الأخرى، وبعنوان الحوار أو غيره من العناوين.. الوسطية هي التمسك بالحق، هي التمسك بالدين، هي اتباع سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام.
وقد وصف النبي عليه الصلاة والسلام بأنه (لم يكن بالأمهق) قلنا إنه أبيض، لكن لم يكن بالأمهق الشديد البياض، لأن البياض على مراتب وعلى درجات، والبياض إذا اشتد جداً يؤذي العين، ولا يكون حسناً، بل كان بياض المصطفى عليه الصلاة والسلام بياضاً جميلاً يسر العين إذا نظرت إليه، ولذلك وصف عليه الصلاة والسلام بياضه بأنه كان أزهر اللون، كان عليه الصلاة والسلام أزهر اللون، أنا أجمع ما يتعلق بصفة لون المصطفى عليه الصلاة والسلام من أحاديث الشمائل النبوية، التي أخرجها الإمام الترمذي في الشمائل وغيره من الأئمة، (كان النبي عليه الصلاة والسلام أزهر اللون) أي: كان بياضه عليه الصلاة والسلام فيه شيء من الحمرة خفيف، وهذا جاء التعبير عنه بعبارة أخرى: (كان عليه الصلاة والسلام مشرباً)، وفي بعض الروايات: (مشرباً بحمرة) وهذا هو جمال البياض، من أجل ذلك أخطأ بعض الرواة فقال: (كان عليه الصلاة والسلام أسمر) وهو حميد الطويل في روايته عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، فقال: (كان أسمر اللون) ولم يكن مراده أنه كان أسمر السمرة التي هي السواد، وإنما مراده أن ينفي شدة البياض عنه صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال العلماء في رواية حميد: إنها رواية شاذة، وغير روايته هو المحفوظ، لأنه روى أوثق منه كثابت البناني وغيره عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان أزهر اللون).
أما يده عليه الصلاة والسلام، يداه وكفاه وساعداه، فقد وصف النبي عليه الصلاة والسلام بأنه (كان شثن الكفين) أي: كان عظيم الكفين، وهكذا كانت أعضاء المصطفى عليه الصلاة والسلام، كرؤوس عظامه عليه الصلاة والسلام ورؤوس مفاصله، ويمدح ذلك من الرجال لا من النساء، فهناك صفات تحسن في الرجال وتزيدهم جمالاً، وهناك صفات تضادها تحسن في النساء وتزيد النساء جمالاً، وقد تكلمنا في بعض الخطب السابقة عن عظم فم المصطفى عليه الصلاة والسلام، وقلنا هذا في الرجال صفة محمودة، ولكنه في النساء صفة غير محمودة، فالنساء تحمد بصغر الفم، وكذلك تحمد المرأة بدقة الأصابع وصغر الكف، ولكن الرجل يحمد بعظم الأصابع وعظم الكف، هذا المعبر عنه: (كان عليه الصلاة والسلام شثن الكفين).
أما أثر جلده عليه الصلاة والسلام ولينه ونعومته، فذلك ما رواه سيدنا علي رضي الله تعالى عنه في وصف جلد قدميه، قال: (ينبو عنهما الماء) لشدة نعومة جلده الشريف كان الماء إذا تحدر عليه يتقاطر وينبو قطرات قطرات، وهذا يعرفه من جرب إلقاء الماء على الدهن، إذا كان عندك سطح عليه شيء من الدهن، وألقيت عليه شيئاً من الماء، ماذا يكون شأن الماء؟ يبقى الماء حبات تتقطر وتتحدر على السطح من الدهن، فكان النبي عليه الصلاة والسلام جلده من النعومة أن الماء يكاد يجفو عنه كحبات من الخرز.
أما أثر مسه عليه الصلاة والسلام فقد وصف لنا الصحابة ذلك، وقد تعجبون لهذا الوصف، أنا أحببت أن أخطب هذه الخطب -أيها الإخوة- حتى نتعرف على نبينا عليه الصلاة والسلام، الذي لا نعرف عنه إلا القليل، ما وصف رجل في الدنيا كما وصف النبي عليه الصلاة والسلام، وما تعلق أحد في الدنيا برجل كما تعلق أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام بمحمد، وما عظم أحد في الدنيا رجلاً كما عظم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم محمداً صلى الله عليه وسلم، يقول سيدنا أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه في حديث أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم: (خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين) [كان خادم النبي عليه الصلاة والسلام، جاءت أمه أم سليم بنت ملحان عقب الهجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أنس ابن عشر سنين، قالت: خادمك أنس، ادع الله له. فدعا له بالبركة، فاستجيب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في سيدنا أنس، وببركة دعاء النبي عليه الصلاة والسلام عاش مائة سنة، وببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم رزق مائة من الولد، وببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أبقى الله تبارك وتعالى العلم فيه وفي ذريته، فلا يخلو عصر من الأعصار إلى زماننا هذا من عالم أو حافظ للقرآن أو راو للحديث من ذرية سيدنا أنس بن مالك، ببركة خدمته للنبي صلى الله عليه وسلم، وكانت بساتين الناس تحمل في السنة مرة واحدة، وكانت نخله تحمل في السنة مرتين، ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم] قال: (خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي لشيء فعلتُه لم فعلتَه؟، ولا لشيء تركتُه لم تركتَه؟) ما عاتبه النبي عليه الصلاة والسلام على الإطلاق، ولا تكلم معه في ذلك الأمر أبداً، ويتابع حديثه فيقول: (وما مسست حريراً ولا ديباجاً ولا خزاً كان ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم) لين الكف، لين الجلد مع عِظَم الكف وطول أصابع المصطفى عليه الصلاة والسلام، لكن اللين والرقة تفوق رقة الحرير والديباج، وفي رواية: (وما مسست حريرة ولا خزة كانت ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم).
يقول سيدنا أبو جحيفة رضي الله تعالى عنه، وأصل الحديث في البخاري ومسلم: وقد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي قد نصب عنَزَة يصلي إليها تمر من خلفها المرأة، فصلى ركعتين الظهر، ثم ركعتين العصر، يقول أبو جحيفة رضي الله تعالى عنه: (فجاء الناس إليه يتمسحون بيديه، وجئت فأخذت بيده، فمسحت بها وجهي، فوجدت ليده برداً، كانت أبرد من الثلج) هكذا كان وصف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أثر لمس يده عليه الصلاة والسلام.
وكان ثمة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل يُتندَّر به، صاحب نكت، صاحب دعابة، اسمه: زاهر، يأتي من البادية بطرائف البادية، فيزوده النبي عليه الصلاة والسلام بطرائف المدينة المنورة من البضائع، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: (زاهر باديتنا ونحن حاضروه) وكان يشتري الشيء على النبي عليه الصلاة والسلام بالدين، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يداعبه ويمازحه، والحديث أخرجه الترمذي في باب مزاح النبي عليه الصلاة والسلام، فجاءه النبي عليه الصلاة والسلام مرة فاعتنقه من خلفه، وهو لا يدري، فجعل زاهر يقول: من هذا؟ أرسلني!. والنبي عليه الصلاة والسلام يشد عليه من خلفه، وهو لا يعلم من الذي يعتنقه، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: من يشتري هذا العبد؟ وكان حراً، ولكنه عبد لله تعالى، هكذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يمزح ولا يقول إلا حقاً، فيجوز لنا أيها الإخوة أن نمزح، الدعابة جائزة، بل قد تكون مندوبة إذا كان فيها إدخال السرور على الأهل والإخوان، لكن بشرط أن لا تختلط بمعصية، أو كبيرة من الكبائر، كالكذب أو الفحش من القول، فلما عرف أنه النبي عليه الصلاة والسلام جعل لا يألو يمسح ظهره بصدر المصطفى عليه الصلاة والسلام، جعل يلصق ظهره ببطن المصطفى عليه الصلاة والسلام، التماساً لبركة المصطفى عليه الصلاة والسلام.
وهذا ما فعله سواد بن غَزِيَّة في غزوة بدر، لما وكزه المصطفى عليه الصلاة والسلام وقال له: (استقم يا سواد) وكان قد خرج من الصف، والله تبارك وتعالى يقول: )إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ( [الصف،4]، (استقم يا سواد) قال: لقد أوجعتني يا رسول الله، فكشف له النبي عليه الصلاة والسلام عن بطنه الشريف، وقال: (استقد يا سواد) فأكب على بطن النبي صلى الله عليه وسلم يقبله! انظروا العدل من النبي عليه الصلاة والسلام، انظروا الأدب من أصحابه، قال: (ما حملك على فعلت؟) قال: أردت أن يكون هذا آخر العهد بيني وبينك، وقاتل حتى قتل شهيداً في سبيل الله.
هذه راحة المصطفى عليه الصلاة والسلام وكفه التي سبح فيها الحصى، وتسبيح الحصى من الأحاديث المتواترة بالمعنى، سبح الحصى في كف المصطفى عليه الصلاة والسلام مراراً، ومن معجزات كفِّ المصطفى عليه الصلاة والسلام نبع الماء من بين أصابعه الشريفة، وهذا من الأحاديث المتواترة، من المعجزات المتواترة بالمعنى، لأن القصص قد تعددت، والصحابة جمع عظيم منهم روى نبع الماء من بين أصابع المصطفى عليه الصلاة والسلام.
أحب أن أبين أدب المصطفى عليه الصلاة والسلام مع ربه سبحانه وتعالى في قضية نبع الماء، بعض الناس يظن أن الماء نبع هكذا من بين أصابع المصطفى عليه الصلاة والسلام، وقد وضع يده في الهواء، أو وضع يده على الأرض! النبي عليه الصلاة والسلام أشد الناس معرفة بربه، وقال عليه الصلاة والسلام في حديث صحيح: (أنا أعلمكم بالله وأخشاكم له) وفي رواية: (وأتقاكم لله)، النبي عليه الصلاة والسلام علمنا الأدب مع الله تبارك وتعالى، الخلق مختص بالله تبارك وتعالى أيها الإخوة، الخلق هو الإيجاد من العدم، وهو مختص بالله تبارك وتعالى، قال سبحانه في القرآن الكريم: ) أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ( [النحل،17]، لذلك ليس هناك مشكلة في العقيدة الإسلامية في قضية الاستنساخ مثلاً، الاستنساخ لا يشكل تحدياً في الدين ولا في عقيدة المسلمين، لأنهم يصنعون شيئاً من شيء، يخرجون من الـ: (DNA) شيئاً، ولكن لا يستطيعون أن يصنعوا شيئاً من لا شيء، ولو جمعت ألف عالم من العلماء، وهيأت لهم مختبرات، وقلت لهم: أخرجوا لنا قرداً أو خنزيراً من لا شيء، لا يستطيعون.. يأخذون جزءاً صغيراً من قرد، وبالمعالجات والعمليات وشيء من الاختبارات والأجواء المهيأة يطورون منه قرداً، هذا تكبير الصغير، نراه أيها الإخوة في الحياة دائماً، ولكننا لا نعبأ به، نواة التمر نواة هكذا صغيرة، بل ربما حبة القمح أصغر منها، وهناك ما هو أصغر من ذلك، ينبت فيكون أشجاراً طوالاً باسقات، لكن للاعتياد لا نستغرب ذلك، لكن لو أردت من هؤلاء العلماء أن يخرجوا بقرد أو خنزير من لا شيء لا يستطيعون، إلا إن خرجوا من المختبر وقد مسخ الله واحداً منهم قرداً أو خنزيراً!!.
لذلك النبي عليه الصلاة والسلام في قضية نبع الماء تأدب بأعلى درجات الأدب مع الله تبارك وتعالى، فدعا بما بقي من الماء مع القوم، فجاؤوا بإداوة، أي: إناء صغير يستعمل للوضوء، فوضع النبي عليه الصلاة والسلام يده في ذلك الماء، فنبع الماء، فكثَّر القليلَ عليه الصلاة والسلام، الماء القليل صار كثيراً، صار ينبع الماء من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ما صنعه النبي عليه الصلاة والسلام في الطعام أيضاً، لم يأت النبي عليه الصلاة والسلام بطعام من الهواء، وإنما دعا ببقية أزواد القوم، فدعا وبرك فيها، حتى كفت الجميع، تكثير الطعام القليل، هذا أثر راحة المصطفى عليه الصلاة والسلام.
يقول طاووس فيما حكاه القاضي عياض في (الشفا) وغيره، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (ما مسح بيده على رجل به مس إلا شفاه الله تبارك وتعالى) أثر مس يده عليه الصلاة والسلام، كان عليه الصلاة والسلام يمسح على الصبيان، كان عليه الصلاة والسلام يبرك على الصبيان، هذا مسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة في اليمامة، وقتل بعد ذلك، أراد أن يقلد سيدنا محمداً، الحبيب الأعظم النبي الحق الصادق الأمين، أراد أن يقلده، هو ادعى النبوة، فقالوا له: النبوة لا تصلح إلا أن تصنع كما يصنع النبي. قال: وما يصنع النبي؟ قالوا: النبي كان يحنك الصبيان، النبي كان يمسح على رؤوس الصبيان.. فجعل مسيلمة الكذاب يمسح على رؤوس الصبيان، كلما رأى ولداً مسح على رأسه فخرج أقرع! جعل يحنك الصبيان، كل ولد حنكه مسيلمة الكذاب خرج لا يتكلم، أو به لثغة أو به عيب في النطق!.. لأنه كذاب، ادعى النبوة، فكشف الله تبارك وتعالى كذبه.
لكن نبينا عليه الصلاة والسلام ما مست يده شيئاً إلا اخضر، نبينا عليه الصلاة والسلام ما لمس بيده شيئاً إلا وحلت بركته عليه، والأحاديث في ذلك واسعة متواترة، حتى حال الحرب، لما قبض النبي عليه الصلاة والسلام بيده قبضة من تراب، في غزوة حنين، ورمى بها المشركين، لم يبق أحد من المشركين من بني ثقيف إلا دخل في عينيه شيء من ذلك التراب، وفي ذلك يقول الله تبارك وتعالى: )وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى ( [الأنفال،17].
هذه بركة يد المصطفى عليه الصلاة والسلام، والسؤال الآن: كيف نقتدي بالنبي عليه الصلاة والسلام؟ وقد عرفنا الآن بركة يده الشريفة، وحال يده عليه الصلاة والسلام.. أقول لكم أيها الإخوة: من أراد البركة في شيء من أعضائه، فليصن ذلك العضو عن الحرام، من أراد أن يبارك الله تبارك وتعالى في بصره، فليغض بصره عن الحرام، من أراد أن يحفظ الله تعالى سمعه، فليصن سمعه عن الحرام، ومن أراد أن يبارك الله تعالى في يده، فليصن يده عن الحرام، النبي عليه الصلاة والسلام ما ضرب بيده امرأة ولا خادماً ولا شيئاً إلا أن يجاهد في سبيل الله، صان يده عن البطش، صان يده عن التكبر والإيذاء، النبي عليه الصلاة والسلام ما مست يده يد امرأة لا تحل له قط، فإذا أردت البركة في يدك، فصن يدك عن أن تمس امرأة لا تحل لك [مصافحة المرأة الأجنبية لا تجوز، والمرأة الأجنبية هنا من ليست لك بزوج أو محرم، تسمى امرأة أجنبية في اصطلاح الفقهاء] هكذا كانت يد النبي عليه الصلاة والسلام.
لما صان الناس قديماً حواسهم وأعضاءهم عن الحرام، كانوا يرون الكرامات، كان يكشف للرجل فيرى ببصره ما لا يراه الناس، وكان الرجل يضع يده على المريض فيقرأ أو يمسح عليه فيشفى، هكذا كان الصالحون قديماً، فإذا أردنا أيها الإخوة أن نقتدي بالنبي عليه الصلاة والسلام فلنصن أعضاءنا، فلنصن حواسنا، في ختام هذه السلسلة من الحواس الخمس، ينبغي أن نقدر أيها الإخوة هذه الحواس التي وهبنا الله تبارك وتعالى إياها، نعم عظيمة من المولى سبحانه، ألا يعرف قدر النعمة إلا من افتقدها؟! أهكذا ينبغي أن نكون؟! اللهم عرفنا نعمك بدوامها، ولا تعرفنا نعمك بزوالها، نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا وإياكم من الشاكرين، إنه سميع قريب مجيب، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه
من خطب الجمعة للشيخ محمد أبي الهدى اليعقوبي بتاريخ 15/ربيع الآخر/1430هـ الموافق لـ 11/نيسان/2009م