نورك الكل والورى أجزاء
- التفاصيل
- التصنيف: مكتبة قصائد المديح النبوي
- تم إنشاءه بتاريخ 03 تشرين2/نوفمبر 2013
- كتب بواسطة: القاضي يوسف النبهاني
- زيارات: 5759
نورُكَ الكُلُّ وَالوَرى أَجزاءُ يا نَبِيّاً مِن جُندِهِ الأَنبِياءُ
رَحمَةَ الكَونِ كُنتَ أَنتَ وَلَولا كَ لَدامَت في غَيبِها الأَشياءُ
مُنتَهى الفَضلِ في العَوالِمِ جَمعاً فَوقَهُ مِن كَمالِكَ الإِبتِداءُ
لَم تَزَل فَوقَ كُلِّ فَوقٍ مُجِدّاً بِالتَرَقّي ما لِلتَّرَقّي اِنتِهاءُ
جُزتَ قَدراً فَما أَمامَكَ خَلقٌ فَوقَكَ اللَهُ وَالبَرايا وَراءُ
خَير أَرضٍ ثَوَيتَ فَهيَ سَماءٌ بِكَ طالَت ما طاوَلَتها سَماءُ
يا رَعى اللَهُ طَيبَةً مِن رِياضٍ طابَ فيها الهَوى وَطابَ الهَواءُ
شاقَني في رُبوعِها خَيرُ حَيٍّ حَلَّ لا زَينَبٌ وَلا أَسماءُ
وَعَدَتني نَفسي الدُنُوَّ وَلَكِن أَينَ مِنّي وَأَينَ مِنها الوَفاءُ
غادَرَتها الذُنوبُ عَرجاء وَالقَف رُ بَعيدٌ ما تَصنَعُ العَرجاءُ
وَبِحارٌ ما بَينَنا وَقِفارٌ ثُمَّ صَحراء بَعدَها صَحراءُ
فَمَتى أَقطَعُ البِحارَ بِفُلكٍ ذي بُخارٍ كَأَنَّهُ هَوجاءُ
وَمَتى أَقطَعُ القِفارَ بِبَحرٍ مِن سَرابٍ تَخوضُ بي وَجناءُ
في رِفاقٍ مِنَ المُحِبّينَ كُلٌّ فَوقَهُ مِن غَرامِهِ سيماءُ
جَسَدٌ ناحِلٌ وَطَرفٌ قَريح ظَلَّ يَهمي وَهامَةٌ شَعثاءُ
أَضرَمَ الوَجدُ نارَهُ بِحَشاهُم وَلِثِقلِ الغَرامِ ناحوا وَناؤُوا
شَرِبوا دَمعَهُم فَزادوا أُواماً ما بِدَمعٍ لِعاشِقِ إِرواءُ
لا تَسَل وَصفَ حُبِّهِم فَهوَ سِرٌّ بِسوى الذَوقِ ما لَهُ إِفشاءُ
ساقَهُم لِلحِجازِ أَيُّ حنينٍ ضَمَّهُ مِن ضُلوعِهِم أَحناءُ
أُحُدٌ شاقَهُم وَأَكنافُ سَلعٍ لا رَوابي نَجدٍ وَلا الدَهناءُ
نَسَمات القَبول هَبَّت عَلَيهِم رَنَّحَتهُم كَأَنَّها صَهباءُ
هِيَ كانَت أَرواحُهُم وَبِها كا نَ لَهُم بَعدَ مَوتِهِم إِحياءُ
قُبضَ القَبضُ مِنهُم بُسِطَ البَس طُ لَهُم حينَ بادَتِ البَيداءُ
بِاِنتِشاقِ النَسيمِ كُلٌّ عَراهُ حينَ جازَت أَرضَ الحَبيبِ اِنتِشاءُ
لا بِبِنتِ الكُرومِ هاموا وَلَم يَع بَث بِهِم أَهيَفٌ وَلا هَيفاءُ
إِنَّما اللَّهُ وَالنَبِيّ هَواهُم وَجَميعُ الأَكوانِ بَعدُ هَباءُ
شاهَدوا النورَ مِن بَعيدٍ قَريباً ساطِعاً أَشرَقَت بِهِ الخَضراءُ
مِنهُ بَرقٌ لَهُم أَضاءَ وَمِنهُم كُلُّ عَينٍ سَحابَةٌ سَحّاءُ
لَيتَني مِنهُم وَماذا بِليتٍ ما بِلَيتٍ سِوى العَناءِ غَناءُ
قَرَّبَتهُم أَحِبَّةٌ أَبعَدوني بِذُنوبٍ تَنأى بِها الأَقرِباءُ
عَينيَ اِبكي مَهما اِستَطَعتِ وَماذا لَو أَدَمتُ البُكاءَ يُغني البُكاءُ
لَو بَكَيتُ العَقيقَ بِالسَفحِ ما كا نَ لِوَجدي غَيرَ اللِقاءِ شِفاءُ
لَو أَرادوا لَواصَلوني وَلَكِن أَحسَنوا في قَطيعَتي ما أَساؤوا
لَستُ أَهلاً لِوَصلِهِم فَظَلامي حائِلٌ أَن يَحُلَّ مِنهُم ضِياءُ
هَجَروني وَلَستُ أُنكِرُ أَنّي لَم أَزَل مُذنِباً وَكُلّي خَطاءُ
غَيرَ أَنّي اِلتَجَأتُ قِدماً إِلَيهِم وَعَزيزٌ عَلى الكِرامِ اِلتِجاءُ
وَرَجَوتُ النَوالَ مِنهُم وَظَنّي بَل يَقيني أَن لا يَخيبَ الرَجاءُ
إِن أَكُن مُذنِباً فَهُم أَهلُ عَفوٍ وَعَلى الكَونِ إِن رَضوني العَفاءُ
أَو أَكُن أَكدَرَ المُحِبّينَ قَلباً فَلِمِثلي مِنهُم يَكونُ الصَفاءُ
أَو يَكُن في الفُؤادِ داءٌ قَديمٌ فَلَدَيهِم لِكُلِّ داءٍ دَواءُ
أَو أَكُن فاقِداً فِعالَ مُحِبٍّ فَلِقَلبي عَلى الوِدادِ اِحتِواءُ
أَو يَرَوني أَفلَستُ مِن عَمَلِ البر رِ فَمِنهُم نالَ الغِنى الأَغنِياءُ
أَو أَكُن مُثرِياً وَلَستُ بِهَذا فَمَعَ الهَجرِ ما يُفيدُ الثَراءُ
أَو أَكُن نازِحَ الدِيارِ فَمِنهُم لَحَظاتٌ تَدنو بِها البُعَداءُ
لَيتَ شِعري كَيفَ الوُصولُ إِلى طي بَةَ وَهيَ الحَبيبَةُ العَذراءُ
فَتُداوي سَوداءَ قَلبٍ مُحِبٍّ أَثَّرت فيهِ عَينُها الزَرقاءُ
حَبَّذا العيدُ يَومَ يَبدو المُصَلّى وَالنَقا وَالمَناخَةُ الفَيحاءُ
يَنحَني المُنحَنى هُناكَ عَلى الصَب بِ حُنُوّاً وَتَعطِفُ الزَوراءُ
وَلَهُ تَضحَكُ الثَنايا إِذا ما ثارَ مِن شِدَّةِ السُرورِ البُكاءُ
حَيِّ يا بَرقُ بِالحِجازِ عُرَيباً مِن نَداهُم لِكُلِّ روحٍ غِذاءُ
حَيِّ يا بَرقُ بِالمَدينَةِ حَيّاً لِعُلاهُم قَد دانَتِ الأَحياءُ
مِنهُمُ الغادِياتُ نالَت حَياها وَاِستَمَدَّت حَياتَها الأَحياءُ
حَيِّ عَنّي عُرباً بِطَيبَةَ طابوا طابَ فيهِم شِعري وَطابَ الثَناءُ
حَيِّ عُرباً هُم سادَةُ الخَلقِ طُرّاً لَهُمُ الناسُ أَعبُدٌ وَإِماءُ
خَيَّموا ثمَّ في رِياضِ جِنانٍ حَسَدَتها الخَضراءُ وَالغَبراءُ
حَيِّ عَنّي سَلعاً وَحَيِّ العَوالي حَبَّذا حَبَّذا هُناكَ العَلاءُ
حَيِّ عَنّي العَقيقَ حَيِّ قُباء أَينَ مِنّي العَقيقُ أَينَ قُباءُ
حَيِّ عَنّي البَقيعَ وَالسَفحَ وَالمَس جِدَ حَيثُ الأَنوارُ حَيثُ البَهاءُ
حَيثُ روحُ الأَرواحِ حَيثُ جِنانُ ال خُلدِ حَيثُ النَعيمُ وَالنَعماءُ
حَيثُ بَحرُ اللَهِ المُحيطُ بِكُلِّ ال فضلِ كُلُّ الوُرّادِ مِنهُ رِواءُ
حَيثُ رَبعُ الحَبيبِ يَعلوهُ مِن نو رٍ قِبابٌ أَقَلُّها الخَضراءُ
حَيثُ يَثوي مُحَمَّدٌ سَيِّدُ الخَل قِ وَفي بابِهِ الوَرى فُقَراءُ
يَقسِمُ الجودَ بَينَهُم وَمِنَ اللَ هِ أَتاهُم عَلى يَدَيهِ العَطاءُ
وَهوَ سارٍ بَينَ العَوالِمِ لَم تَح صُرهُ مِن رَوضِ قَبرِهِ أَرجاءُ
فَلَدَيهِ فَوقَ السَماءِ وَتَحتَ ال أَرضِ وَالعَرشُ وَالحَضيضُ سَواءُ
هُوَ حَيٌّ في قَبرِهِ بِحَياةٍ كُلُّ حَيٍّ مِنها لَهُ اِستِملاءُ
مَلَأَ الكَونَ روحُهُ وَهوَ نورٌ وَبِهِ لِلجِنانِ بَعدُ اِمتِلاءُ
هُوَ أَصلٌ لِلمُرسَلينَ أَصيلٌ هُم فُروعٌ لَه وَهُم وُكَلاءُ
يَدَّعي هَذِهِ الرِسالَةَ حَقّاً وَعَلَيها جَميعُهُم شُهَداءُ
قُدوَةُ العالَمينَ في كُلِّ هَديٍ لِهُداةِ الوَرى بِهِ التَأساءُ
شَرعُهُ البَحرُ والشَرائِعُ تَجري مِنهُ إِمّا جَداوِلٌ أَو قِناءُ
بَهَرَ الناسَ مِنهُ خَلقٌ فَما الشَم سُ وَخُلقٌ ما الرَوضَةُ الغَنّاءُ
بَحرُ حِلمٍ لَو قَطرَةٌ مِنهُ فَوقَ الن نارِ سالَت لَزالَ مِنها الصلاءُ
وَلَو الرُحمُ حينَ يَغضَبُ لِلَ هِ عَداهُ لَذابَتِ الأَشياءُ
أَعقَلُ العاقِلينَ في كُلِّ عَصرٍ عُقِلَت عَن لحاقِهِ العُقَلاءُ
عَقلُهُ الشَمسُ وَالعُقولُ جَميعاً كَخُيوطٍ مِنها حَواها الفَضاءُ
أَعلَمُ العالَمينَ أَعذَبُ بَحرٍ لِسِوى اللَّهِ مِن نَداهُ اِستِقاءُ
فَلِأَهلِ العُلومِ مِنهُ اِرتِشافا تٌ وَلِلأَنبِياءِ مِنهُ اِرتِواءُ
أَعدَلُ الخَلقِ ما لَهُ في اِتِّباعِ ال حَقِّ في كُلِّ أُمَّةٍ عُدَلاءُ
أَعرَفُ الكُلِّ بِالحُقوقِ وَلا تَث نيهِ عنها الأَهوالُ وَالأَهواءُ
مَصدَرُ المَكرُماتِ مَورِدَها العَذ بُ كِرامُ الوَرى بِهِ كُرَماءُ
أَفرَغَ اللَهُ فيهِ كُلَّ العَطايا وَالبَرايا مِنهُ لَها اِستِعطاءُ
صَفوَةُ الخَلقِ أَصلُ كُلِّ صَفاءٍ نالَهُ الأَتقِياءُ وَالأَصفِياءُ
كَم لَهُ في أَماثِلِ الدَهرِ شِبهٌ إِن تَكُن تُشبِهُ البِحارَ الإِضاءُ
أَفضَلُ الفاضِلينَ مِن كُلِّ جِنسٍ وَاِترُك اِلّا فَما هُنا اِستِثناءُ
إِنَّما ما حَوى الزَمانُ مِنَ الفَض لِ وَما حازَهُ بِهِ الفُضَلاءُ
كُلُّهُ عَنهُ فاضَ مِن غَيرِ نَقصٍ مِثلَما فاضَ عَن ذكاءَ الضِياءُ
كُلُّ فَضلٍ في الناسِ فَردُ أُلوفٍ نالَها مِن هِباتِهِ الأَولِياءُ
وَنِهاياتُهُم قُبَيلَ بِدايا تٍ عَلاها فَوقَ الوَرى الأَنبِياءُ
وَلَدى الأَنبِياء مِن فَضلِهِ الجُز ءُ وَلَكِن لا تُحصَرُ الأَجزاءُ
وَهوَ وَالرُسلُ وَالمَلائِكُ وَالخَل قُ جَميعاً لِرَبِّهِم فُقَراءُ
هُوَ بَعدَ اللَهِ العَظيمِ عَظيمٌ دونَ أَدنى مَقامِهِ العُظَماءُ
هُوَ أَدنى عَبيدِ مَولاهُ مِنهُ ما لِعَبدٍ لَم يُدنِهِ إِدناءُ
مَن أَرادَ الدُخولَ لِلَّهِ مِن با بٍ سِواهُ جَزاؤُهُ الإِقصاءُ
يَرجِعُ الحُبُّ مِنهُ فيهِ إِلى اللَ هِ تَعالى وَمِنهُ فيهِ القَلاءُ
مَن يُحِبُّ الحَبيبَ فَهوَ حَبيبٌ وَعُداةُ الحَبيبِ هُم أَعداءُ
قُل لِمَن يَسأَلُ الحَقيقَةَ لا يَن فَكّ مِنهُ عَن أَحمَدَ اِستِفتاءُ
هِيَ سِرٌّ بِعِلمِهِ اِستَأثَرَ اللَ هُ وَحارَت في شَأنِها العُقَلاءُ
قَد عَلِمناهُ عَبدَ مَولاهُ حَقّاً لَيسَ لِلَّهِ وَحدَهُ شُرَكاءُ
ثُمَّ لَسنا نَدري حَقيقَةَ هَذا ال عَبدِ لَكِن مِن نورِهِ الأَشياءُ
صِفهُ وَاِمدَح وَزَكِّ وَاِشرَح وَبالِغ وَليُعنكَ المَصاقعُ البُلَغاءُ
فَمُحالٌ بُلوغُكَ الحَدَّ مَهما قُلتَ أَو شِئتَ مِن غُلُوٍّ وَشاؤوا
لَو رَقى العالمونَ كُلَّ ثَناءٍ فيهِ مَهما عَلا وَعالَ الثَناءُ
لَدَعاهُم إِلى الأَمامِ مَعانٍ عَرَّفَتهُم أَنَّ الجَميعَ وَراءُ
قَد تَساوى بِمَدحِهِ الغايَة القُص وى قُصوراً وَالبَدءُ وَالأَثناءُ
أَيُّ لَفظٍ يَكونُ كُفؤاً لِمَعنا هُ وَفي الخَلقِ ما لَهُ أَكفاءُ
هو واللَه فوق كلّ مديحٍ أَنشَدتهُ الرواةُ والشعراءُ
كلُّ مَدحٍ له وللناس طرّاً كان فيه من مادحٍ إطراءُ
هوَ منهُ مثل الندى سيقَ لِلبح ر وأينَ البحارُ والأنداءُ
ليس يدري قدر الحبيب سوى اللَ هِ فَماذا تقولهُ الفصحاءُ
غالِ مَهما اِستطعتَ في النظمِ والنث رِ وأينَ الغلوُّ والغلواءُ
ما بِتطويلِ مدحهِ ينتهي الفض لُ فَقصّر أو قل بهِ ما تشاءُ
عظَّم اللَّه فضلهُ عظّمَ الخل قَ ومنهُ بعَمرهِ إيلاءُ
فَمديحُ الأنامِ مِن بعدِ هذا خَبرٌ صحّ مُنتهاه اِبتداءُ
خَيرُ وَصفٍ له العبودة للَ هِ فَما فوقها بمدحٍ علاءُ
وَتأمّل سُبحان مَن منه فضلاً كانَ ليلاً بعبدهِ الإسراءُ
هوَ نورُ الأنوارِ أصلُ البرايا حينَ لا آدمٌ ولا حوّاءُ
هوَ فردٌ باللَّه والكلّ منه ليس ثانٍ هنا وليس ثناءُ
منهُ عرشٌ ومنه فرشٌ ومنه قلمٌ كاتبٌ ولوحٌ وماءُ
منهُ كلّ الأفلاكِ كانت وما دا رَت بهِ والذواتُ والأسماءُ
منهُ نورُ النجومِ والشمسِ والبد رِ وَمثلُ البصائرِ البُصراءُ
فَهو للكلِّ والِدٌ وَأبو الخَل قِ جَميعاً وهم له أبناءُ
رَحمةُ العالمينَ كلٌّ نصيباً نالَ لَكن تفاوتَ الأنصباءُ
فازَ مِنها الروحُ الأمين بسهمٍ قَد أصابَ الأمانَ وهو الثناءُ
وَبهِ آدمٌ جنى العفوَ حلواً فهو جانٍ قد جاءه الإجتباءِ
وبهِ النارُ للخليلِ جِناناً قَد أُحيلت وعكسهُ الأعداءُ
خيرةُ اللَّه مُنتقى كلّ خلق وَلكلٍّ منَ الأصولِ اِنتقاءُ
خارهُ واِصطفاهُ فهو خيارٌ مِن خيارٍ ومن صفاءٍ صفاءُ
حلَّ نوراً بآدَمٍ فاِستَنارَ الص صلبُ منه والجبهة الغرّاءُ
وَسَرى في الجدودِ كالروح سرّاً صانهُ الأمّهات والآباءُ
هو كنزُ الرحمنِ في كلّ عصرٍ هُم جميعاً أرصادهُ الأمناءُ
كنزُ درّ قد فاقَ فهو يتيمٌ وعليهِ جميعهُم أوصياءُ
قَد تحرّى كَرائماً وكراماً ما اِبتغى قطّ في حماهُم بغاءُ
بِصحيحِ النكاحِ دون سفاحٍ فهوَ نعم النكاحُ نعمَ الرفاءُ
حلَّ شَيثاً إدريس نوحاً وإبرا هيمَ نوراً ومَن أَتاهُ الفداءُ
ثمَّ عدنان ناله ومعدٌّ وَنزارٌ وهكذا نجباءُ
مُضَرُ الخيرِ واِبنه اِلياسُ والمُد ركُ مِن كلّ رفعةٍ ما يشاءُ
وخزيمٌ كنانةُ النضرُ والما لكُ فهرٌ وغالبٌ واللواءُ
ثمَّ كعبٌ ومرّةٌ وكلابٌ وقصيٌّ وكلُّهم كرماءُ
ثمَّ بدرُ البطحاءِ عبدُ منافٍ هاشمٌ شيبةُ الفتى المعطاءُ
وَأَبو المُصطفى الحلاحلُ عبد ال لَهِ والكلّ سادةٌ نبلاءُ
هَكَذا المجدُ وَالمفاخرُ وَالأن سابُ تَعلو وَهكذا النسباءُ
هَكَذا المجدُ والجدودُ فنادِ ال خلقَ أينَ الأشباه والأكفاءُ
كلُّ فَردٍ منهم فريدٌ ولم يُن ظَر لهُ في زمانه نظراءُ
وَلهُ الأمّهات كلُّ حَصانٍ تَتباهى بِمجدِها الأحماءُ
حبَّذا أمّهاتُ خير نبيٍّ شرّفَ الكون حبّذا الآباءُ
لَم يَزل سارياً سُرى الشمسِ والده رُ منَ الشركِ ليلةٌ ليلاءُ
مِن سَماءٍ إلى سماءٍ وأعني كلَّ أصلٍ له بقولي سماءُ
لَم يَزَل سارياً إلى أَن تجلّت شمسُ أنوارهِ وفاض الضياءُ
وَهبَ اللَّه بنتَ وهبٍ به كل لَ هناءٍ وزالَ عَنها العناءُ
كَم رَأت آيةً له وهيَ حُبلى وَبمَولى كلِّ الورى نفساءُ
جاءَها الطلقُ وهيَ في الدارِ من دو نِ أنيسٍ وقَد نأى الأقرباءُ
فَأتَتها قوابلٌ من جنانِ ال خلدِ منها العذراء والحوراءُ
وَتَدلّت زهرُ النجومِ إليها كَالمصابيحِ ضاءَ منها الفضاءُ
حَمَلته هَوناً وقد وضعتهُ أَنظفَ الناسِ ما به أقذاءُ
وَلَدتهُ كالشمسِ أشرقَ مسرو راً وتمّت بختنه السرّاءُ
أَبصَرَت نورهُ أنارَ بِبُصرى فَرَأتها كأنّها البطحاءُ
وَلَقد هزّت الملائكُ مَهداً كانَ مِن فوقهِ له اِستلقاءُ
حادثَ البدرَ وهو كان له في ال مهدِ كالظئرِ طابَ منها الغناءُ
خَدَمتهُ عوالمُ الملأ الأع لى وهل بعد ذا لعبدٍ علاءُ
وَاِستَفاضت أخبارهُ في البرايا فَحَكاها الملّاح والحدّاءُ
غيرَ أنّ القلوبَ فيها عيونٌ بَعضها عن رشدِها عمياءُ
ليسَ لي حيلةٌ بتعريفِ أعمى كنهَ شيءٍ خصّت به البصراءُ
وَإِذا ما هَدى الإلهُ بَهيماً كانَ مِن دونِ فهمه الأذكياءُ
أَحجمَ الفيلُ عَن حِمى اللّه لمّا قَصَدَت هدمَ بيته الأشقياءُ
وَبطيرٍ جاءت لنصرةِ طهَ وَهو حملٌ بادوا وبالخسرِ باؤوا
وَبميلادهِ لقد فاض نورٌ ضاقَ عَن وسعهِ الملا والخلاءُ
فاضَ طوفانهُ فغاضَت مياهُ ال فرسِ وَالنارُ عمّها الإطفاءُ
شُرفات الإيوانِ إيوان كسرى منهُ خرّت واِنشقّ هذا البناءُ
وَرَأى الموبَذانُ رُؤيا حكاها هيَ حقٌّ وليس فيها اِمتراءُ
هَجَمَ العُربُ بالعرابِ ولم يم نَع هُجوماً من نهرِ دجلة ماءُ
وبميلادهِ تنكّستِ الأص نامُ جُنّت أم مسّها إغماءُ
حلّ فيها داءُ الرَدى فأساءَ الش شركَ داءٌ أودَت به الشركاءُ
جاءَ كالدرّةِ اليتيمةِ فرداً تيّمَ الكونَ حسنهُ الوضّاءُ
فَأَبتهُ كلُّ المراضعِ لليتمِ وقد ذلَّ في الوَرى اليتماءُ
أَرضَعته فتاةُ سعدٍ فَفازت برضيعٍ ما مثله رضعاءُ
أَرضَعته وَالعيشُ أغبر فاِخضر رَ وَبئس المعيشة الغبراءُ
رَكِبت في المجيء شرَّ أتانٍ سَبَقتها لضعفها الرفقاءُ
ثمَّ عادَت تعدو علَيها فلم تد رِ أتانٌ أم سابقٌ عدّاءُ
وَشياهٌ لَها بمحلٍ شديدٍ مصَّ ماء الثرى أتاه الثراءُ
أَقبَلت لُبّناً شباعاً وأهل ال حيِّ مَع شائِهم جياعٌ ظماءُ
بَركاتٌ أرخَت عليها رخاءً في زمانٍ غالَ الجميع الغلاءُ
شقَّ منهُ جبريلُ أفديهِ صدراً قَد وَعى العالمينَ منه وعاءُ
وَحَشاه بِحكمةٍ وبإيما نٍ وتمَّ الختام تمّ الوكاءُ
هوَ بحرٌ ولستُ أدري وقد شق قَ لِماذا لَم تغرقِ الأرجاءُ
هوُ بحرُ التوحيدِ فاضَ وكلّ ال أرض بالشرك بقعةٌ جدباءُ
فَأَتاها مِن فيضهِ الخصب حتّى حَيِيَت بعد مَوتها الأحياءُ
ماتَت أمُّ النبيِّ وهو ابن ستٍّ وَأبوه وبيتهُ الأحشاءُ
ثمَّ أَحياهُما القديرُ فحازا شرفَ الدين حبّذا الإحياءُ
وَهُما ناجيانِ من غير شكٍّ فَترةٌ أو حياةٌ أو حنفاءُ
رضيَ اللَّه عنهُما وكرام الن ناس منّا ولتسخطِ اللؤماءُ
لَيسَ يرتابُ في نَجاتهما إل لا رَقيعٌ في الدين أو رقعاءُ
كيفَ تُرجى النجاةُ للناس ممّن ما أتى والديه منه النجاءُ
كَم أَتانا بأمرِ بِرٍّ ونهيٍ عَن عقوقٍ وهو الفتى المئتاءُ
وَمحالٌ تكليفهُ الناس خيراً هوَ منهُ حاشا وحاشا براءُ
أَيَرون الدعاءَ ما كان منهُ لَهُما أو دعا وخاب الدعاءُ
بَل دَعا اللَّه واِستجاب له اللَ هُ فحيّا تلكَ القبور الحياءُ
خصّهُ اللَّه بالنبوّة قدماً وَسِوى نورهِ الكريم فناءُ
كلُّ خلقِ الرحمنِ أمّتهُ النا سُ رَعايا والأنبيا وزراءُ
هوَ سُلطانهم وكلٌّ أميرٌ غيرُ بدعٍ أن تسبق الأمراءُ
بَشَّروا أَحسنوا البشائرَ لكن جاءَ قومٌ من بعدهم فأساؤوا
بعضُهم صرّح الكلامَ كعيسى وَكلامُ الكليم فيه اِكتفاءُ
وَبسفرِ الزبورِ أقوى دليلٍ وَأشاعَ البُشرى به شعياءُ
وَأَتت عَن سواهم كلّ بشرى عطّر الكونَ من شَذاها الذكاءُ
أَظهَروه وبيّنوهُ ولكن كَتمتهُ معاشرٌ سخفاءُ
سَتروا الحقّ حرّفوا اللفظَ والمع نى وَكم ذا بدت لهم عوراءُ
جَعلوه ما بينَهم أيّ سرٍّ وإِلى الحشرِ ما له إفشاءُ
وَبرغمٍ مِنهم فشا وبأهل ال علمِ مِن قَومنا لهم إبداءُ
وَبِكلِّ الأعصارِ أظهره اللَ ه بِقومٍ منهم هم النبهاءُ
نِعمَ بحرُ العلومِ منهم بَحيراً وَنصيرُ الإيمانِ نسطوراءُ
نعمَ حَبرٌ قد أسلمَ اِبن سلامٍ حينَ جاءَت ببهتهِ السفهاءُ
وَلَنِعم الحبرُ الكريم مخيري قٌ شهيدُ المعارك المعطاءُ
وَعنِ الجنِّ كم بشائر للإن سِ رَواها الكهّان والعلماءُ
وَبشهبٍ حمراء أشرقتِ الغب راءُ لمّا رمتهمُ الخضراءُ
وَبإلهامِ يقظةٍ ومنامٍ دَرتِ الأرضُ ما درته السماءُ
قبلهُ عمّتِ البرايا جَهالا تٌ وضلّ المَرؤوسُ والرؤساءُ
لا حرامٌ ولا حلالٌ ولا دي نٌ صحيحٌ ولا هدىً واِهتداءُ
كانَ في الناسِ ملّتان وكلٌّ مِنهُما مثل أختها عوجاءُ
أَهلُ أصنامِهم وأهل كتابٍ شَيخُهم في دروسهِ الغوّاءُ
بَدّلوهُ وحرّفوه وزادوا فيهِ ما شاء من ضلالٍ وشاؤوا
فَهُم يَخبطونَ فيه وهل تب صرُ رُشداً بخبطها العشواءُ
بَينَما الكفرُ هكذا أحرقَ الخل قَ لظاهُ واِشتدّت الظلماءُ
وَاِشتَكت كعبةُ الإله أذاهم وَاِستَغاثَت مِن شركهم إيلياءُ
أَطلعَ اللَّه شمسَ أحمدَ في الأر ضِ فَعمّت أقطارها الأضواءُ
قَد أَتى المُصطفى نبيّاً رسولاً طِبقَ ما بشّرت به الأنبياءُ
لِجميعِ الأنامِ أرسله اللَ هُ خِتاماً للرسل وهو اِبتداءُ
أَطلعَ اللَّهُ شمسه فاِستنارَت قبلَ كلِّ الأماكنِ البطحاءُ
مَلأ العالمينَ نوراً ولولا نورهُ لاِستحالَ فيها الضياءُ
وَقلوبُ العتاةِ فيها عيونٌ طَمَستها مِن شركهم أقذاءُ
إِنّما هَذه القلوبُ مرايا فَوقَها مِن ظلالٍ لكلِّ مرأى مراءُ
كلَّما جاءَهم بآيةِ صدقٍ كَذّبوه فيها وبالإفك جاؤوا
جاءَهم هادِياً بأفصحِ قولٍ عَجزت عن أقلّهِ الفصحاءُ
طالَ تَقريعُهم بهِ والتحدّي أَينَ أينَ المصاقعُ البلغاءُ
وَهمُ القومُ أفصحُ الناس طبعاً شُعراءٌ بينَ الورى خطباءُ
عَدَلوا عنهُ للشتائمِ والحر بِ اِفتراقٌ جوابهم واِفتراءُ
أَتُراهم لو اِستطاعوا نَظيراً راقَهم عنهُ أن تراق دماءُ
فيهِ إعجازُهم وفيه هداهُم فَهو سُقمٌ لهم وفيه شفاءُ
فيهِ إِخبارُهم وفيهِ هُداهم فَهو سُقمٌ لهم وفيه شفاءُ
فيهِ إخبارُهم بِما كان في الده رِ وَيأتي تساوَتِ الآناءُ
وَالنبيُّ الأمّيُّ قد علموهُ ما لهُ في كمالِه قرناءُ
أَصدقُ الناسِ لهجةً ما أتاه قطّ من قومه بكذبٍ هجاءُ
لقّبوهُ الأمينَ من قبل هذا وقليلٌ بين الورى الأمناءُ
لا كِتابٌ ولا حسابٌ ولا غر بَةَ طالت ولا له اِستخفاءُ
بِكتابٍ منَ المليكِ أَتاهم كلُّ لفظٍ بصدقه طغراءُ
حجّةُ اللَّهِ فوقَ كلّ البرايا فيهِ عن كلّ حجّةٍ إغناءُ
كلُّ علمٍ في العالمين فمنهُ عنهُ فيه لهُ عليهِ اِرتقاءُ
غَلبَ الكلّ بالبراهينِ لكن بَعضُهم غالبٌ عليه الشقاءُ
حارَبَ العُرب وَالأعاجمَ منه بِسلاحٍ له السلاح فداءُ
كلُّ حرفٍ سيفٌ ورمحٌ وسهمٌ وَمِجنٌّ ونثرةٌ حصداءُ
لَيسَ يهدي القرآنُ مِنهم قلوباً ما أَتاها مِن ربّها الإهتداءُ
لا يُطيقُ الإفصاحَ بالحقِّ عبدٌ روحهُ مِن ضلالهِ خرساءُ
إِنّ قُرآنه الكريم لكلّ ال كتبِ مِن فيضِ فضله اِستجداءُ
كلُّ فردٍ قَد حازَ أقسام فضلٍ دونَ فشلٍ وقد يكون وطاءُ
جمعَ الكلَّ وحدهُ فلديهِ لِجميعِ الفضائل اِستيفاءُ
زادَ عَنها أَضعافها فهو فردٌ ضِمنهُ العالمون والعلماءُ
وَاِنقَضت مُعجزات كلِّ نبيٍّ باِنقِضاه وما لِهذا اِنقضاءُ
واِهتَدى سادةٌ فصارَ لهم بالس سبقِ وَالصدقِ رتبةٌ علياءُ
سَبَقتهم خديجةٌ وأبو بك رٍ عليٌّ زيدٌ بلالٌ وِلاءُ
وَتَلاهم قومٌ كرامٌ كَذي النو رَين عُثمان سادةٌ نبلاءُ
عامرٌ طلحة الزبير وسعدٌ واِبنُ عوفٍ مع صاحب الغارِ جاؤوا
وَسَعيدٌ عُبيدةٌ حمزة المر غمُ أنفَ الضلال منه اِهتداءُ
أَسدُ اللَّهِ والرسول الّذي دا نَت لهُ بِالسيادة الشهداءُ
وَالإمامُ الفاروقُ بعدُ منَ المخ تارِ في حقّة اِستجيب الدعاءُ
كانَ إِسلامهُ عَلى الشركِ خفضاً وَبهِ صارَ للهدى اِستعلاءُ
عُمَرُ القرمُ ذو الفتوح الّذي عز رَ بهِ الدين حينَ عزّ العزاءُ
وَنِساءٌ أمّ الجميلِ وأمّ ال فضل أمٌّ لأيمنٍ أسماءُ
وَسِواهُم من سادةٍ وعبيدٍ سابقَتهم حرائرٌ وإماءُ
ثمّ لمّا تَظاهروا لقريشٍ حينَ زالَ الخفاء زاد الجفاءُ
نوَّعوا فيهمُ العذابَ وكانت مِن لَظاهم بالأبطح الرمضاءُ
لَهفَ قَلبي على بلالٍ فقد صُب بَ عليهِ وفاض عنه البلاءُ
لَهف قلبي على الوليِّ أَبي اليق ظان إذا آل ياسرٍ أسراءُ
لهفَ قَلبي على الجميعِ وما ين فعُ لَهفي وما يفيد البكاءُ
رَحمةُ اللَّه صاحَبَت خير صحبٍ حينَ عزّت في مكّة الرحماءُ
أَحسنَ اللَّه صَبرهم فاِستلذّوا بِالبَلايا وخفّت اللأواءُ
وَلهَذا تحمّلوا ما الجبال الش شمُّ عَن حملِ بعضه ضعفاءُ
هاجَروا للحُبوش خوفاً على الدي نِ فَهُم مثل دينهم غرباءُ
وَالنبيّ الأمّيُّ كالليثِ يُردي الش شركَ منهُ تقدّمٌ واِجتراءُ
لَم تَرُعه الأهوالُ في نشر دينٍ هوَ وَحيٌ وما به أهواءُ
كَم أساؤوهُ كَي يكفَّ فما كف فتهُ عَن أمرِ ربّه الأسواءُ
وَاِستَوى منهمُ لديه جفاءٌ وَوفاءٌ والضرّ والسرّاءُ
ربّ يومٍ أتاهُ عقبةُ أشقى ال قوم يَسعى وفي يديه سلاءُ
بِخبيثٍ أتى خبيثٌ وهل يأ تي بِغير الخبائثِ الخبثاءُ
قَد رماهُ حينَ السجودِ عليه وَاِنثنى منه تضحكُ الأشقياءُ
فَأطالَ السجودَ حتّى أتتهُ فَأزالتهُ بنته الزهراءُ
ليتَ شِعري إِذ ذاكَ ما منع الأر ضَ منَ الخسف أو تخرّ السماءُ
قَومُ نوحٍ لم يَفعلوا مثل هذا وَلَقد أغرقَ البريّة ماءُ
غيرَ أنّ الغَريمَ كانَ كريماً وَحليماً فأُخّرَ الإقتضاءُ
راحَ شمسُ الوجودِ يَدعو عليهم وببدرٍ قد اِستُجيب الدعاءُ
صُرِعوا كلّهم هناكَ ومنهم في قليبٍ قد أُلقيت أشلاءُ
كلَّفوهُ بشقِّه القمر الزا هرَ ليلاً تكليفَ ما لا يشاءُ
فَدعا فاِستبانَ شقّين في الحا ل ِوبينَ الشقّين بان حراءُ
فاِستَرابوا بأنّه السحرُ حتّى جاءَ مِن كلّ واردٍ أنباءُ
أَخبَروهم بصدقهِ فاِستَمرّوا وَالعَمى لا تفيدهُ الأضواءُ
هالَهم أمرهُ فَخافوا وما هم بعدَ حينٍ من فتكه أمناءُ
عرَضوا أن يكونَ فيهم مليكاً وَإِليه الأموالُ والآراءُ
ثمَّ يَدنو ولا يسفِّه أحلا ماً فما هم بزعمهم سفهاءُ
فَأبى مُلكَهم ولَو لهوى النف سِ دَعاهم لما تأتّى الإباءُ
ثمّ ناداهُم فقالَ وهل يس مِعُ أهلَ القبور منه النداءُ
لَو وَضَعتم بدرَ السما في شمالي وَبِيُمنايَ كانَ منكم ذكاءُ
ما تَركتُ الدعاءَ للّه حتّى يحكمُ اللَّه بينَنا ما يشاءُ
فَأَساؤوهُ بالمقالِ وبالأف عالِ واِشتدّ منهم الإعتداءُ
فَرَأوهُ مثلَ الهزبرِ وهل صَد دَ هزبراً من الكلابِ عواءُ
قَد دَعا قومهُ لتسليمهِ لل قتلِ بَغياً فخابَ هذا الدعاءُ
هَجروهُم في الشِعبِ لا قرب لا حب بَ وَلا بيعَ منهمُ لا شراءُ
وَمَضت هكذا سنون ثلاثٌ جارَ فيها العِدا وراج العداءُ
وَأرادَ الرحمنُ تفريجَ هذا ال كربِ عَنهم فاِنشقّت الأعداءُ
خالفَ البعضُ مِنهم البعضَ والقو مُ جَميعاً في شركهم شركاءُ
وَاِستَمرّوا على الخلافِ إلى أن فرّ ذاكَ الجفا وقرّ الوفاءُ
ينصرُ اللَّه مَن يشاءُ بما شا وَمنَ السمّ قد يكون الشفاءُ
وَأَتى عمّهُ الحميمَ حمامٌ ما لِحيٍّ من الحمام اِحتماءُ
كانَ تُرساً يقيهِ عادية الأع داءِ رأساً تهابهُ الرؤساءُ
مُستقيماً على الولاءِ وللأض لاعِ منهُ على الحنُوِّ اِنحناءُ
قَد رَأى صدقَهُ بِمرآة قلبٍ صَقَلَتها رويّةٌ واِرتِياءُ
غيرَ أنَّ الخفاءَ كانَ مُفيداً ربَّما يجلبُ الظهورَ الخفاءُ
مدحَ المُصطفى بنظمٍ ونثرٍ كَم لهُ فيه مدحةٌ غرّاءُ
وَلَدى الإحتِضارِ أصفى قريشاً خيرَ نُصحٍ فلم يكن إِصغاءُ
أَوضحَ الحقّ في كلامٍ طويلٍ كانَ في قلبهِ عليه اِنطواءُ
وَمَضى راشِداً وقد أسمع العب باسَ قَولاً به يكون النجاءُ
فَاِستمرّت على العناد قريشٌ ما لديها رعايةٌ واِرعواءُ
وَبموتِ الشيخِ المهيبِ اِستطالت بِأذاهُ وزادَ منها البذاءُ
وَهوَ في صدعِها بما أمرَ الجب بارُ ماضٍ كالسيفِ فيه مضاءُ
ليلهُ مثلُ يومهِ باِجتهادٍ في هُداها وكالصباحِ المساءُ
ثمَّ ماتَت خَديجةٌ فأتاهُ أيُّ رُزءٍ جلَّت به الأرزاءُ
كَم رَأت سيّد الورى في عناءٍ وَبِها زالَ عنه ذاك العناءُ
كُلَّما جاءَها بعبءٍ ثقيلٍ هوّنتهُ فخفّت الأعباءُ
ما أتاهُ مِن قومهِ السخطُ إلّا كانَ مِنها لقلبه إرضاءُ
كلُّ أَوصافِها البديعة جلّت عَن شبيهٍ وكلّها حسناءُ
فهيَ هارونهُ بِها اللَّه شدّ ال أزرَ منه وما بها إزراءُ
وَهيَ كانت وزيرهُ الناصحَ الصا ئبَ رَأياً وهكذا الوزراءُ
وازَرته على النبوّة لمّا جاءَهُ الوحي كان منها الوحاءُ
إِذ أَتاه الأمينُ جبريلُ في غا ر حراءٍ فزاد فخراً حراءُ
غطّهُ مرّةً وأُخرى وأُخرى قائل اِقرأ ولم يكن إقراءُ
فَاِبتدا وحيهُ بسورةِ إقرأ ثمّ فاضَ القرآنُ والقرّاءُ
فَاِنثنى ترجفُ البوادرَ منه لِخديجٍ وحبّذا الإنثناءُ
فَرَأته فاِستَفهمته فلمّا علمَت أمرهُ أتاها الهناءُ
عَلِمت أنّه النبيّ الّذي في الن ناسِ عنهُ قد شاعت الأنباءُ
آمَنت أسلَمَت أعانَت وقد زا دَ لَديها في شأنه الإعتناءُ
خصّها اللَّه بِالسلامِ وجِبري لُ المؤدّي ونعم هذا الأداءُ
كلُّ أولادِ صلبهِ غيرَ إبرا هيم منها وما لها ضرّاءُ
رضيَ اللَّه والنبيُّ وهذا الد دين عنها فليسَ يكفي الثناءُ
لَو رأيتَ النبيّ من بعدُ في الطا ئفِ سالت بالحصبِ منه الدماءُ
وَسمِعت التخييرَ فيهم من اللَ هِ فكانَ اِختياره الإبقاءُ
كنتَ شاهدتَ أعظمَ الخلقِ حلماً وَتمنّيت أن يعمّ الفناءُ
كانَ يَلقى عنهُ الحجارةَ زيدٌ إنّ روحي لنعلِ زيدٍ فداءُ
قرّب اللَّه سيّد الخلقِ حتّى غَبَطَ العرش قُربه والعماءُ
لا جِهاتٌ تَحوي الإله تعالى ليسَ شَخصاً لذاته أنحاءُ
فَلَديهِ كلُّ الجِهات وقبلَ الد دهرِ والدهرُ والمعاد سواءُ
أَينَما كانَ خلقهُ فهوَ مَعهم لا مَكانٌ له ولا آناءُ
وعَلى عرشهِ اِستوى ليس يدري غيرهُ كيفَ ذلِك الإِستواءُ
لا كشيءٍ في العالمينَ ولا تش بههُ جلّ قدرهُ الأشياءُ
لا غنيّاً من الخلائقِ عنه وهوَ عن كلّهم له اِستغناءُ
كلُّ آتٍ في البالِ فهو سوى اللَ هِ تَعالى وأين أين السواءُ
كلُّ نقصٍ عنه تنزّه قدماً وَكمالُ السنا له والسناءُ
وَلهُ الخلقُ وحدَهُ ولهُ الأم رُ وَيَجري في ملكهِ ما يشاءُ
خالقٌ كلّ ما عداه ولا بد ءَ لهُ في وجودهِ لا اِنتهاءُ
واجبٌ كالوجودِ كلُّ الكمالا ت محالٌ أضدادها والفناءُ
واحدُ الذاتِ وَالصفاتِ والأفعا لِ وفي الكلّ ما له شركاءُ
عالمٌ قادرٌ مريدٌ سميعٌ وبصيرٌ حيٌّ له الأسماءُ
ذو كلامٍ بقول كُن منهُ كان ال خلقُ سيّان عرشهُ والهباءُ
كلُّ عِلمٍ يكونُ أَو كان مع ما أَنتَجتهُ الأفكار والآراءُ
هوَ مِن علمهِ كقطرةِ بحرٍ لَو عدا البحرَ غايةٌ واِبتداءُ
مالكُ الملكِ ذو الجلال له ال كلُّ اِستحالَ الشريك والوزراءُ
حارَ في كنههِ الملائكُ عجزاً عنهُ والأنبياءُ والأولياءُ
بَهَرتهُم أنوارهُ حيّرتهم حبّذا حَيرةٌ هي الإهتداءُ
ليسَ يدريهِ غيرهُ فجميع ال خلقِ في كنهِ ربّهم جهلاءُ
مَن رَأى بانياً دراه بناءٌ أينَ هَذا البناء والبنّاءُ
مَن رَأى الشمسَ في النهارِ دَرتها وهيَ عَنها الظلالُ والأفياءُ
أَثرٌ ما دَرى المؤثِّر فيهِ وَلهذينِ بالحدوثِ اِستواءُ
أَتُرى الحادثات تَدري قديماً كيفَ تَدري خلّاقها الأشياءُ
قَد رَقى العارِفون باللَّه مرقى ما لخلقٍ إلى عُلاه اِرتقاءُ
فَأقرّوا مِن بعدِ كلّ تعلٍّ وَتَجلٍّ أنّ الخفاء خفاءُ
وَلَقد ضلّ معشرٌ حَكموا العق لَ وما هُم بحكمهم حكماءُ
حينَما سافَروا على غير هديٍ عُقِلَ العقلُ منهم والذكاءُ
كيفَ تَدري العقولُ كنهَ إلهٍ كانَ مِن بعضِ خلقهِ العقلاءُ
ما لهُ ما عليهِ نفعٌ وضرٌّ مِن براياهُ أحسَنوا أَو أَساؤوا
كلُّ شَيءٍ منَ الخلائق فانٍ وَلهُ وحدهُ تعالى البقاءُ
أَرسلَ الرسلَ للأنام ليمتا زَ لَديهم سعادةٌ وشقاءُ
صِدقُهم واجبٌ وفهمٌ وتبلي غُ هداهُ وكلُّهم أمناءُ
وَمُحالٌ أضدادها ومعاصي هِ وَغيرَ العيوبِ جازَ السواءُ
رُسُلُ اللَّه هُم هداةُ البرايا وَلكلٍّ محجّةٍ بيضاءُ
خصَّ مِنهم محمّداً بالمزايا ال غرّ منها المِعراجُ والإسراءُ
أَرسلَ الروحَ بالبراقِ كما تف علهُ لِلكرامة الكرماءُ
فَعلاهُ البدرُ التمام أبو القا سمِ لَيلاً فضاء منه الفضاءُ
راحَ يَهوي بهِ وحدُّ اِنتهاءِ الط طرفِ منهُ إلى خطاهُ اِنتهاءُ
مرّ في طيبةٍ وموسى وعيسى ولَقد شَرُفت به إيلياءُ
ثمّ صلّى بالأَنبِياءِ إماماً وبهِ شَرّفَ الجميعَ اِقتداءُ
وَمَضى سارياً إِلى العالمِ العل وِيّ حيثُ العلا وحيث العلاءُ
سَبَقته إلِى السمواتِ كيما ثمَّ تُجري اِستقباله الأنبياءُ
فَعلا فَوقَها كشمسِ نهارٍ أَطلَعته بعدَ السماء سماءُ
رحّب الرسلُ بالحبيبِ وكلٌّ فيهِ إمّا أبوّةٌ أو إخاءُ
وَجَميعُ الأفلاكِ مع ما حوتهُ قَد تَباهَت وزاد فيها البهاءُ
وَالسفيرُ الأمينُ خير رفيقٍ لَم يُفارِق ما مثله سفراءُ
وَلَدى السدرةِ الجوازُ عليهِ صارَ حظراً فكان ثمّ اِنتهاءُ
فَدَعاه النبيّ حين عَلا السد رةَ نورٌ منهُ عليها غشاءُ
هَهُنا يتركُ الخليلُ خليلاً أَينَ ذاكَ الصفاءُ أين الوفاءُ
قالَ عُذراً فلَن أُجاوزَ حدّي لَو تقدّمت حلّ فيَّ الفناءُ
وَبهِ زُجّ في البهاءِ وفي النو ر إِلى حيثُ كلّ خلقٍ وراءُ
وَرَأى اللَّه لا بِكيفٍ وحصرٍ لا مَكانٌ يحويه لا آناءُ
فَوقُ فوقٍ وتَحتُ تحتٍ لديه قبلُ قبلٍ وبعدُ بعدٍ سواءُ
إنّما خصّصَ الحبيبَ بسرٍّ لِسِواه ما زالَ عنه الخفاءُ
وَعليهِ صبَّ الكمالَ وزالَ ال كيفُ والكمّ حين زاد الحباءُ
وَسَقاهُ بُحورَ علمٍ فَعِلمُ ال خَلق منها كالرشح وهو الإناءُ
وَحباهُ أنواعَ كلِّ صفاءٍ نَفحةٌ منه ما حوى الأصفياءُ
لا نبيٌّ ولا رسولٌ ولا جب ريلُ يَدري العطاءَ جلّ العطاءُ
ثمَّ عادَ الضيفُ الكريمُ إلى الأه لِ وَتمّت من ربّه النعماءُ
عادَ قَبل الصباحِ فاِرتابَ في مك كَةَ قومٌ من قومه بلداءُ
أَعظَموا الأمرَ وهو فعلُ عظيمٍ لَم تُشابه صفاته العظماءُ
جلَّ قَدراً فالكائناتُ لديهِ حُكمُها ذرّةٌ حواها الفضاءُ
لَو أَرادَ القديرُ كانَ بلحظٍ كلّ هَذا ولم يكن إسراءُ
وَلَكم طافَ في القبائلِ يستن صِرُها حين عزّت النصراءُ
أيُّ قَومٍ أَبناءُ قيلةَ لا الأق يالُ تَحكيهم ولا الأذواءُ
بايَعوا المُصطفى فَفازوا وباعوا ال لَهَ أَرواحَهم وتمّ الشراءُ
أَسعدٌ رافعٌ عبادةُ عبد ال لَه سَعدٌ ومنذرٌ والبراءُ
وَأُسيدٌ سعدٌ رفاعة عبد ال لَه سعدٌ يا حبّذا النقباءُ
وَلِكلٍّ بالمكرُمات اِئتزار ولِكلٍّ بالمكرماتِ اِرتداءُ
زادَ أهلُ الضلالِ فيه لجاجاً حينَما قَد أُتيح هذا اللجاءُ
وَعَلى صحبهِ الأذى ضاقَ عنه ال وسعُ مِنهم واِستحكم الإعتداءُ
كانَ عندَ الأنصارِ إذ أقحط الأم نُ عَليهم في طيبةٍ أكلاءُ
وَهوَ في قومهِ ينادي وقل بُ الشركِ أَعمى وأذنهُ صمّاءُ
ثمَّ لمّا رَأوه يزدادُ صحباً كلّ يومٍ مِنهم إِليه اِنتماءُ
وَإِذا أسلمَ الفَتى فأبوهُ مِنهمُ عندهُ وكلبٌ سواءُ
راعَهم ما رَأوهُ منهُ فراموا قتلهُ كيفَ تقتلُ القتلاءُ
وَأَتاهُ بِمَكرهم جبرئيلٌ فَبدا كيدُهم وخابَ الدهاءُ
فَفداهُ بنفسهِ ذلك اللي ثُ عليٌّ ونعم هذا الفداءُ
حَصَروهُ فمرّ عَنهم ولم يخ لُص لِذاك الوليِّ منهم عناءُ
نَثَرَ التربَ بالروسِ فكلٌّ عَينه مثل قلبه عمياءُ
وَمَضى نحوَ طيبةٍ أطيبُ الخل قِ فَطابَت بطيبهِ الأرجاءُ
كانَ صدّيقهُ الكبيرُ أبو بك رٍ رفيقاً إذ عزّت الرفقاءُ
وَاِقتفاهُ فِتيانهم وَذوو النج دةِ منهم وقُبّح الإقتفاءُ
وَاِستكنَّ البدرُ المنيرُ بثورٍ لَم يضرهُ مِن العدا عوّاءُ
شَرّفَ اللَّهُ غارَ ثورٍ فَغارَ ال كهفُ منهُ واِستشرفت سيناءُ
وَبِمرِّ السنينَ يَزدادُ مَجداً حَسَدتهُ لأجلهِ زيتاءُ
ما لِزيتاءَ ما لسيناءَ ما لل كهفِ كالغارِ بالحبيبِ اِلتقاءُ
وَأَتاهُ الكفّارُ مِن كلِّ نحوٍ واِستمرّ التحذيرُ والإغراءُ
وَالرفيقُ الرفيقُ مِن عينهِ الوط فاء سالَت سَحابةٌ وطفاءُ
وَالنبيُّ الأمينُ أَغفى لبعد ال خوفِ منه واِزدادَ فيه الرجاءُ
نَسجَ العنكبوتُ دِرعاً حَصيناً ضاعَفَتهُ ببيضها الورقاءُ
تاهَ بِالتيهِ قَبلهم قومُ موسى وَهوَ أَرضٌ فسيحةٌ فيحاءُ
وَقُريشٌ من أجلهِ في فناءِ ال غارِ تاهَت وما يكون الفناءُ
ثمَّ سارَت شمسُ الوجودِ بليلٍ معَها البدرُ أفقها البيداءُ
وَاِقتَفاها سُراقةٌ لاِستراقِ الن نورِ مِنها كأنّه الحرباءُ
وَعَد النفسَ بالثراءِ ولكن ربَّ فقرٍ أَشرّ منه الثراءُ
صَيَّرَ الخسف تحتهُ الأرضَ بحراً غَرِقت فيه سابحٌ جرداءُ
فَفَدى نفسهُ ببذلِ خضوعٍ حينَ مِنها لم يبق إلّا الذماءُ
وَحباهُ وَعداً بإِسوارِ كسرى فَأتاهُ مِن بعدِ حينٍ وفاءُ
وَأَتتهُ مِن أمّ مَعبدٍ إذ أع وَزَها القوتُ حائلٌ عجفاءُ
حلبَ الضرعَ أشبعَ الركب منها بإِناءٍ وزادَ عنهم إناءُ
وَلهُ اِشتاقَت المدينةُ فالأن صارُ فيها مِن شَوقهم أنضاءُ
وَهُناكَ المهاجرونَ لَديهم مُهجٌ برّحت بها البُرَحاءُ
بَينَما هُم بالإنتظارِ وَمِنهم كلُّ وقتٍ لشأنه اِستِقراءُ
فَاجَأتهم أَنوارهُ فَأزالت كلَّ حزنٍ وعمّتِ السرّاءُ
حيِّ أنصارَهُ فَلا حيّ في العُر بِ سِوى حيِّه لهم أكفاءُ
عاهدوهُ فَما رَأَينا وَلَم نَس مَع بِقومٍ هم مثلهم أوفياءُ
أَحسَنوا أحسَنوا بغيرِ حسابٍ مِثلَما قومهُ أساؤوا أساؤوا
مِنهمُ سيّدٌ لهُ اِهتزّ عرشَ ال لَهِ شَوقاً ومنهم النقباءُ
وَكفاكَ المُهاجرونَ كفاةً أيّ مَدحٍ لما أتوه كفاءُ
آمَنوا النبيِّ حينَ جزاءُ ال مرءِ قتلٌ أو ردّةٌ أو جلاءُ
فارَقوا الدارَ والأحبّة في اللَ هِ وللَّه هجرهم واللقاءُ
مِنهمُ السابقونَ للدينِ وَالعش رَةُ مِنهم ومنهمُ النجباءُ
كلُّ أصحابهِ هُداةٌ فما أخ سَرَ قوماً بهم لهم إغواءُ
بَينما هُم في الجهلِ غرقى إذا هم لِلبَرايا أئمّةٌ علماءُ
لَحَظاتٌ أحالَتِ الجهلَ علماً مِنهم فهيَ الإكسيرُ والكيمياءُ
كلُّ علمٍ في الناسِ قَد فاضَ منهم هُم بحورُ العلوم والأنواءُ
شُهبٌ أحرَقوا شياطينَ قومٍ وَلِقَومٍ نورٌ بهم يستضاءُ
هَكذا الوردُ للأطايبِ طيبٌ وَشفاءٌ وللخبائثِ داءُ
حبُّهم وَالشقاءُ ضدّان لن يج تَمِعا وَالنجاة والبغضاءُ
حبُّهم جنّةُ المحبّ وبغض ال بَعضِ نارٌ والمبغض الحلفاءُ
كُلُّهم سادةٌ عدولٌ ثقاتٌ صلحاءٌ أئمّةٌ أتقياءُ
أَفضلُ الناسِ غير كلِّ نبيٍّ بِسواهم لا يحسن اِستثناءُ
كلُّ هديٍ منَ النبيّ فَعَنهم ما لَنا غيرهُم طريقٌ سواءُ
شاهَدوا صِدقهُ فَكانوا شهوداً هُم لَدى كلِّ مسلمٍ أزكياءُ
أَتَقولُ الضلّالُ ما هم عدولٌ مَن تُرى ثابتٌ به الإدّعاءُ
هُم نجومٌ في أفقِ شَرع أبي القا سمِ بانوا للمُؤمنين أضاؤوا
بَعضُهم كالنجومِ أضوأُ مِن بع ضٍ وَبعضٌ مثل السها أخفياءُ
هُم سُيوفٌ للمُصطفى ورماحٌ وَهوَ رَأسٌ وهم له أعضاءُ
أيّدوهُ وبلّغوا الدين عنهُ فهمُ الناصِحون والنصراءُ
وَبِهم حاربَ البريّة ما قا لَ هلمّوا إلّا أَجابوا وجاؤوا
قادَ مِنهُم نحوَ العداةِ أسوداً رَجَفت مِن زئيرها الأنحاءُ
كلُّ لَيثٍ لا يرهبُ الموتَ لا تن فَكّ منهُ إلى الوغى رغباءُ
عَجِلٌ إِن دُعي وإن فرّ قرنٌ فبهِ عَن لحوقه إبطاءُ
وَإِذا ما اِدلهمّ ليلُ حروبٍ أَسفَرت مِنه طلعةٌ غرّاءُ
هُم سُيوفٌ للَّه جلّ تعالى وَلَها في يدِ النبيِّ اِنتضاءُ
قَطعوا المُشركينَ والشركَ لم تث لم ظُباهم وما عراها اِنثناءُ
فَبروحي أَفدي الجميعَ وإن جل لَ المُفدّى وقلّ منّي الفداءُ
رَضيَ اللَّه والنبيّ وأهل ال حقّ عَنهم وإِن أبى البُغَضَاءُ
قَوِيَ المُصطفى بصحبٍ بلِ الصح بُ بهِ بل بربّه أقوياءُ
أَذنَ اللَّه بِالقتالِ ومنهُ الن نصرُ قلّت أَو جلّت الأعداءُ
بَعضُهم للنبيّ أَصغى وبعضٌ لِسوى السيفِ ما له إصغاءُ
كلُّ قومٍ يأتيهمُ كلّ يومٍ منهُ شرعٌ أو غارةٌ شعواءُ
قَد دَعا الناسَ بِالكتابِ وبعضُ ال حقّ يَخفى إن ضلّت الآراءُ
شَرَحت فوقَ أحمرِ المتنِ سمرُ ال خطّ حتّى بَدا وزال الخفاءُ
فَسّرته لَهُم خطوطُ العوالي فَأقرّوا أَن ليسَ فيه خطاءُ
أَوضَحَته لطاعنٍ ضاقَ فهماً طَعنةٌ في فؤاده نجلاءُ
صَدِئَت منهُم القلوبُ فصدّت وَلَها من ظُبا السيوف جلاءُ
ربَّ سيفٍ مُذ قام يشرح شرحاً عَلِمَت دينَ أحمد الجهلاءُ
كَم قلوبٍ لهم قسَت رقّقتها مِن سيوفٍ لصحبهِ خُطَباءُ
طَلَعوا في سماءِ بدرٍ نُجوماً بَينَهم سيّدُ الأنامِ ذكاءُ
أَحرَقت شُهبُهم عتاةَ قريشٍ وَلهيبُ الحريقِ تلك الدماءُ
كلُّ قِرنٍ منهم بغير قرينٍ وَلَنِعمَ الثلاثةُ القرناءُ
حَمزةٌ مع عبيدةٍ وعليٍّ طَحَنوا الشركَ والرحا الهيجاءُ
هُم أَساساً للنصرِ كانوا وهل يث بُتُ إلّا عَلى الأساس البناءُ
وَأَتاهُ عوناً ملائكة اللَ هِ وَعنهم بنصره اِستغناءُ
وَرَماهم خيرُ الورى بسهامٍ راشَها ربُّه هي الحصباءُ
فَأَصابت بكفّه الجيشَ طرّاً إِذ منَ اللَّه ليسَ منه الرماءُ
كَعَصاةِ الكليمِ كلّ حصاةٍ كانَ مِن دونِ رَميها الإلقاءُ
يَدُ خيرِ الوَرى رَمتهم ففرّوا إنّ هذي هيَ اليدُ البيضاءُ
هُزِمَ الجمعُ مِثلَما أخبر اللَ ه وفرّت حياتهم والحياءُ
صَفَعَتهم سيوفهُ أيّ صفعٍ حينَ ولّوا وبانتِ الأقفاءُ
وَعَليهم قَست صدورُ العوالي وهيَ لَولا عقوقهم رحماءُ
أَفَلا يَذكرونَ أيّام يؤذي سيّدَ الخلقِ منهمُ اِستهزاءُ
قال إنّي بُعثتُ بالذبحِ يا قو مُ إِليكم هل صحّت الأنباءُ
عيّنَ المُصطفى مصارع قومٍ فَجَرى بالّذي قضاه القضاءُ
وَمَشى صحبهُ عليهِم فَمن ها مِ الأعادي لكلّ رجلٍ حذاءُ
حينَما اِنقضّ جندهُ كنسورٍ نُبِذَت بِالعراءِ تلك الحداءُ
عُوِّضوا في القِفار بعدَ الحشايا فُرُشَ التربِ وَالقتامُ غطاءُ
وَشَكَت مِنهمُ البلاقعُ إِذ خي فَ جوىً مِن جسومهم واِجتواءُ
فَرُموا في القليبِ شرِّ وعاءٍ بِئسَما قَد حَواه ذاك الوعاءُ
أَودعوهُ أَشلاءَهم أتُراهم ذَكَروا كيفَ تطرحُ الأسلاءُ
شَحنوهُ منهُم بشرّ ظروفٍ حَشوُها الشركُ حشوُها الشحناءُ
وَنَحا طيبةَ النبيُّ بجيشٍ ضاعَفته الأسلاب والأسراءُ
غَزوةٌ آذَنَت بفتحٍ مبينٍ رافعاً للهُدى بها الإبتداءُ
هيَ بَدرٌ والفتحُ شمسٌ وباقي ال غَزَوات النجوم والأضواءُ
غَيرَ أنَّ الضلالَ مِنهم أَحاطت بقريشٍ سَحابةٌ دكناءُ
سَترت عن عُيونها نورَ بدرٍ قَد رآهُ مُشيرها الغوّاءُ
ثمَّ جاؤوا مُحاربينَ له في أُحدٍ حيثُ هاجت الهيجاءُ
صَدّهم أيّ صَدمةٍ آلمَتهم سالَ مِنها دُموعهم والدماءُ
أَلحَق اللَّه بالقليبِ وأهلي هِ عتاةً منهم عناها اللواءُ
فَعَراهُم كَسرٌ بهِ حصلَ الجب رُ وخفضٌ بهِ لنا اِستعلاءُ
ثمَّ لمّا أَرادَ ربُّك أن يأ تيه مِن جنوده شهداءُ
خالَفوا المُصطَفى بتركِ مكانٍ منهُ جاءَت خيلُ العدا من وراءُ
فقضى من قضى شهيداً ولا حي لَة تُنجي ممّا يسوق القضاءُ
وَحَلا الصبرُ النبيَّ وقَد شد دَ عليه بِساعديه البلاءُ
كَسَرَ القومُ منهُ إِحدى الثنايا فَزكا حُسنها وزاد الثناءُ
هَشَموا فيه بيضةَ الدرعِ حتّى دَمِيت منهُ جبّةٌ بيضاءُ
وَمَضى حَمزة شَهيداً فجلّ ال خَطب فينا وأُخرسَ الخطباءُ
عَينيَ اِبكي على الشهيدِ أبي يع لى دماءً وقلّ منّي البكاءُ
عَينيَ اِبكي وأسعديني فَقد عي لَ اِصطباري وعزّ منّي العزاءُ
عَينيَ اِبكي عليهِ فحلَ قريش جلّ قَدراً فجلّ فيه الرثاءُ
قَتلوهُ بقَومهم يومَ بدرٍ وَبشِسعٍ مِن نعلهِ هم بواءُ
بَطلٌ صالَ فيهم كَهزبرٍ ضرَّ سِربَ الوحوشِ منه الضراءُ
قَتلتهُ بالغدرِ حربةُ عبدٍ قَتلتهُ مِن بعد ذاك الطلاءُ
لستُ أَدري ماذا أَقولُ ولكن ما لِذاكَ لوحشيّ عندي رعاءُ
إنَّ هَذا منَ الإلهِ اِبتلاءٌ وَمنَ اللَّه يحسنُ الإبتلاءُ
كلُّ قتلاهم بنارٍ وقتلا نا لَديه في جنّةٍ أحياءُ
كَم عُيونٍ بَكت عليهم وكَم ذا ضَحِكت مِن لقائهم عيناءُ
عَجَباً تضحكُ الجِنانُ لشيءٍ طَرفُ طَه مِن أجلهِ بكّاءُ
قَد بَكى حَمزةً بكاءً قضتهُ رِقّةٌ في فُؤاده وصفاءُ
لَم يَرُعهُ مِن قبله قطّ شيءٌ مثلهُ إِذ أحيل منه الرواءُ
طَلَبَت صحبهُ الدعاءَ عَليهم وَبغفرِ الذنوبِ كان الدعاءُ
ذلكَ الحِلمُ لا يقاسُ به حل مٌ وإِن جلّ في الورى الحلماءُ
خَشِيَ القومُ أَن تهبَّ بنكبا تِ الرزايا عليهمُ النكباءُ
عَلِموا الحربَ شرّ نارٍ فخافوا ال حَرقَ إِن دامَ منهم الإصطلاءُ
وَدَروهُ الليثَ الجريءَ فإن أُح رِجَ زادَ الإقدام والإجتراءُ
وَرَأوا صحبهُ أُسوداً وأَقوى ال أسدِ بَأساً ما ناله إزراءُ
فَتَداعَوا إِلى الفرارِ وفرّوا وَلهُم خشيةَ الأسودِ عواءُ
وَاِقتَفَتهم تلكَ الصقورُ فَطاروا وَلَهُم كالبغاثِ يَعلو زقاءُ
ثمَّ هاجَت خزاعةٌ بالمريسي عِ فَأخزَت جُموعَها الهيجاءُ
قَتَل اللَّه عشرةً ورئيسُ ال قومِ والقومُ كلّهم أسراءُ
وَاِصطفى بنتهُ النبيُّ عَروساً هُم جَميعاً لأجلها عتقاءُ
وَبيومِ الأحزابِ جاءت جيوشٌ خَلَطوها وقد بَغى الخلطاءُ
هُم يهودٌ هوازنٌ والأحابي شُ قريشٌ وبئست الحلفاءُ
وَالنبيِّ الأمّيُّ لو جاءَ أهلَ ال أرضِ حَرباً ما اِختلّ فيهِ الرجاءُ
وَعَدَ اللَّه أَن يُمكّن هَذا الد دينَ حتّى يُستخلفَ الخلفاءُ
وَوَفى اللَّه وعدهُ وله الحم دُ وَحتّى المعاد هذا الوفاءُ
غَيرَ أنّ الأصحابَ زادوا اِضطراباً إِذ بَدا النِفاقُ داءٌ عياءُ
خَندَقوا حولَهم وكم معجزاتٍ شاهَدوها فكانَ فيها عزاءُ
وَأَتوهم مِن فوقُ من تحتُ فالأب صارُ زاغت وحارتِ الحوباءُ
وَدَعا للبرازِ عمرٌو وهل يب رُزُ إلّا من الشقيّ الشقاءُ
فَبراهُ بذي الفقارِ أبو السب طينِ ليث المعاركِ العدّاءُ
سَيفُ خيرِ الورى بكفِّ عليٍّ ليسَ شَيئاً تَقوى له الأشياءُ
وَأَتى النصرُ بالصبا وجنودٍ لَم يرَوها سيئت بها الأعداءُ
زَلزلوهم وَالريحُ هاجت فكلٌّ كُفِئَت قدرهُ وخرّ الخباءُ
شتَّت اللَّه شَملهم فتولّوا مِثلَما سارَ في السيوف الغُثاءُ
ثمّ صدّوه سائِراً لاِعتمارٍ حيثُ ضمّت جموعَهُ الحدباءُ
بايَعتهُ الأصحابُ فيها فنالوا الر رِبحَ لَكن بالصلحِ تمّ القضاءُ
عاهدَ القومَ صابِراً لشروطٍ هيَ صَبرٌ والصبرُ فيه الشفاءُ
وَتَأمّل نزولَ إنّا فَتَحنا لكَ فَتحاً يزولُ عنك الخفاءُ
وَأَتى عمرةَ القضاءِ بجيشٍ أيُّ جَيشٍ للفتح لولا الوفاءُ
دَخلوا مكّة ففرّت أسودٌ مِن قُريشٍ كأنّما هم ظباءُ
وَأقاموا بِها ثلاثاً وطافوا حلّقوا قصّروا وَسيقت دماءُ
ثمَّ عادَ النبيُّ يتبعهُ السع دُ وَتَمشي أمامه السرّاءُ
خانتِ المُصطفى اليهودُ ومنهم ليسَ بدعاً خيانةٌ وخناءُ
فَغَزَاهم وسطَ الحصون وفيهم كثرةٌ نجدةٌ سلاحٌ ثراءُ
حلَّ فيهم جيشانِ رعبٌ وصحبٌ واحدٌ منهما به الإكتفاءُ
أَسلَمتهم حُصونُهم لِرسول ال لهِ يُجري في شأنِهم ما يشاءُ
لِنضيرٍ ضيرٌ قريضة قرضٌ خَرِبَت خيبرٌ وعمّ البلاءُ
وَجَلا قبلهم بنو قينقاعٍ وَبِوادي القرى أُريقت دماءُ
ما شَفى النفسَ بعدَ هذا وهذا غيرُ فتحٍ به اِستمرّ الشفاءُ
فَتحُ أمِّ القرى وسيّدة الكل لِ سِوى طيبةٍ فكلٌّ إماءُ
أيُّ فَتحٍ للمُصطفى كان فيه فوقَ عرشِ البيتِ الحرامِ اِستواءُ
أيّ فتحٍ للمصطفى كان عرساً ولأمّ القرى عليه جلاءُ
أيّ فتحٍ للمصطفى كان ديناً فَوفتهُ الغرامة الغرماءُ
أيّ فَتحٍ لوقعهِ اِهتزّت الأر ضُ سروراً وشاركتها السماءُ
أيّ فَتحٍ منه أتى كلّ فتحٍ مُنِحَته الغزاةُ والأولياءُ
أيُّ فَتحٍ بهِ على كلّ خلق ال لَهِ للمُصطفى اليد البيضاءُ
أَشرَقَت شمسهُ ببرجِ كداءٍ فاِستنارَت على البطاح كداءُ
حَسَدتها كُدىً فلمّا اِستشاطت هاجَ فيها الغواة والغوغاءُ
ثارَ فيها أوباشُهم كوحوشٍ بانَ مِنها للقانصِ الأخفياءُ
فَلَهُم بالحرابِ كانَ اِصطيادٌ وَبِنارٍ منَ الحروبِ اِشتواءُ
أَشبَهَت قضبهُ المناجلَ إذ قا لَ اِحصُدوهم والهام منهم غثاءُ
وَرَدت مِنهم أفاعي العوالي في حياضِ الدماء وهي ظماءُ
وَلَغت في نجيعِهم ثمّ صدّت راوياتٍ كأنّه صدّاءُ
لانَ صَخرٌ وأَبغضَ القومُ حرباً حينَ ساءَت دُمىً وسالت دماءُ
سَألوهُ عطفَ الحَميم وقالوا مِن قريشٍ أبيدتِ الخضراءُ
فَعَفا عَنهم فَباؤوا بِسلمٍ وَاِستَحالت حاءٌ وراءٌ وباءُ
قوَّمتهُم نارُ الوغى فاِستَقاموا ربَّ كيٍّ صحّت به العرجاءُ
وَلَقد خرّتِ الطوغيتُ إذ أو ما إِليها كأنّها عقلاءُ
زالَ عزُّ العزّى ولم يبقَ للأص نامِ مِن ساكني البطاح اِعتزاءُ
لَو أرادَ النبيّ سالت دماءٌ مِن قريشٍ كأنّها دأماءُ
لَو أرادَ اِشتفى كما شاء لكن ما له في سِوى هُداها اِشتفاءُ
قَد تَغاضى عن كلِّ ما كان لا تص ريحَ في عتبهم ولا إيماءُ
كلُّ أَموالهم غنائمُ أعطا ها إِليهم وكلّهم عتقاءُ
قالَ والكلّ في يديه أسارى دون تقييدٍ أنتم الطلقاءُ
ذلكَ الحلمُ ذلك العفوُ ذاك ال فضلُ ذاكَ الإفضالُ ذاك السخاءُ
فَاِستَحالت مَحاسناً سيّئاتُ ال قومِ حتّى كأنّهم ما أساؤوا
وَاِنجلى عن قُلوبهم كلُّ غيمٍ مِن ضلالٍ وَزالت الغمّاءُ
ثمَّ صاروا لهُ وللدينِ مِن بع دُ همُ الناصرون والنصحاءُ
فَسلِ العُربَ وَالأعاجم والنا سَ جَميعاً فهم بهم علماءُ
أيُّ نارٍ للحربِ شبّت وما كا نَ لَهم بالجهاد فيها صلاءُ
أيُّ فَتحٍ قد كانَ في الشرقِ والغر بِ وَما فيه من قريشٍ لواءُ
وَكَفاها أنّ الإِله اِصطَفاها وَلخيرِ الأنامِ منها اِصطفاءُ
حيِّ أمَّ القرى فَقد قابلتهُ بِقِراها وجلّ منها القراءُ
أَكرَمته بذبحِ بعض بنيها ومقامَ الترحيب قامَ النعاءُ
فَلَكم بالحطيمِ حُطِّمَ قومٌ ندَّ عنهُم في الندوة الجلساءُ
حلَّ في المسجدِ الحرامِ وجوباً كلُّ نَدبٍ مكروههُ سرّاءُ
قَد علا كعبُ كعبةِ اللَّه والمر وة مثلَ الصفا أتاها الصفاءُ
أَجلسته في حِجرِها ولقَد كا نَ له فيهِ قبلُ نعمَ الرباءُ
ما اِكتَفت بالجلوسِ في الحجرِ حتّى ضمّه مِن حنوّها الأحشاءُ
أَرضَعته لبانَ زمزمَ طفلاً فهيَ مِنها اللبانُ والإلباءُ
وَغَذتهُ بدرّها اليومَ حتّى قالَ هذا الطعامُ هذا الشفاءُ
وَمقامُ الخليلِ كان مقاماً للأعادي فزالَ عنه العداءُ
بَيعةُ الركنِ منه وهو يمينُ ال لَهِ تمّت فتمّ الاِستيلاءُ
عَرفاتٌ مِن أجلهِ عُرفَ الحق قُ لَها فاِستنارَ منها العراءُ
ومنىً نالَت المُنى وأضاءت جَمَراتٌ بها وفاضت دماءُ
كلَّ عامٍ عيدٌ لَديها وبالمش عَرِ للعيدِ ليلةٌ قمراءُ
وَليالي التشريقِ أشرقتِ الأر ضُ بِها واِستفاض فيها الهناءُ
كلُّ وحشٍ وكلّ طيرٍ ونبتٍ نالَ أَمناً فعمّتِ الآلاءُ
كانَ دَيناً في ذمَّة الدهرِ هذا ال فتحُ وَاليومَ حلّ منه الأداءُ
كَفلتهُ البيضُ اليمانونَ من قب لُ فأدّى الكفالة الكفلاءُ
وَبسُمرِ الخطّ البراءةُ خطّت كَتَبتها الكتيبةُ الخضراءُ
ثمَّ سارَ النبيُّ نحوَ حُنينٍ بِخَميسٍ ما ضرّه أربعاءُ
وَالأعادي مِن عدّةٍ وعديدٍ لَعِبَت في عقولهم صهباءُ
ركبَ البغلةَ النبيُّ فزالت مِن خيولِ الفوارس الخيلاءُ
فرّ صَحبٌ إذ أعجَبوا ثمّ عادوا وَهوَ نحوَ العدا بها عدّاءُ
وَرَماهم بكفِّ تربٍ فصارَ الص صدرُ ظَهراً وكلّ وجهٍ قفاءُ
وَهناكَ السيوفُ جالَت فجادوا بِنفوسٍ وهم بِها بخلاءُ
أَقبَلوا كالحبوبِ عدّاً فدارت فَوقَهم مِن حروبهِ أرحاءُ
طَحَنَتهم ونارُها خَبَزَتهم لِلعَوافي والطير منهم غذاءُ
وَلخيرِ الرسلِ الكرامِ أبي القا سمِ صارَت أَموالُهم والنساءُ
شَقيَت بِالوغى هوازنُ لولا جودهُ لاِستمرّ فيها الشقاءُ
سيّبَ السبيَ للرضاعِ وفازت بأياديهِ أختهُ الشيماءُ
وَأَفاضَ العطاءَ في الناسِ حتّى كَثُرَت مِن هباتهِ الأغنياءُ
حاصَرَ الطائفَ النبيُّ على إِث رِ حُنينٍ وصحبهُ الأقوياءُ
فَقَضَت حكمةُ الحكيمِ بعجزٍ عنهُ كَي لا ينالهم الاِزدهاءُ
وَنَهاهُم فَما اِنتهوا فَأتاهم ما ثَناهُم فكان بعدُ اِنتهاءُ
وَلَقد مرّتِ المَوانعُ لكن ربَّ مُرٍّ يكون فيه الشفاءُ
آمَنَت بَعدها ثقيفٌ وجاءَت لا هياجٌ منها ولا هيجاءُ
إنَّما الخلقُ خلقُ ربّك يجري فيهمُ الأمرُ فاعِلاً ما يشاءُ
وَتذكّر مِن بعدِ نصرةِ بدر أُحداً كيفَ كان فيه البلاءُ
كَم بَكت في تبوكَ للرومِ عينٌ بَذلوها وفاضَ منها الرواءُ
أَدهَشتهم أخبارهُ كشياهٍ راعَها قسورٌ وغاب الرعاءُ
أَجفَلوا في البلادِ من غير حربٍ وَعَناهم تحصّنٌ واِنزواءُ
ربّ رُعبٍ منهم لعجمٍ وعُربٍ دونَ حربٍ به العدا حرباءُ
عَلِموا أنّه النبيُّ ولكن نَفَذَ الحكم فيهم والقضاءُ
وَأَتاهُم من صحبهِ بعدُ جندٌ كانَ منهُم لحكمهِ إجراءُ
كلُّ لَيثٍ أمامهُ ألفُ ثورٍ بَل ألوفٌ منهم وزد ما تشاءُ
كَنَسوهم مِنَ الشآم ولَكن بَقِيَت في القمامةِ الأخثاءُ
لَو أَطاعوا هِرقلهُم إِذ نهاهم بِنهاهُ لمّا هُريقت دماءُ
وَأَتى المُصطفى هنالك قومٌ كانَ مِنهم بالجزيةِ الإجتزاءُ
دُومةٌ أيلةٌ وأذرحُ أعطا هُم أَماناً ومثلهم جرباءُ
وَبِهذي الغزاةِ كم معجزاتٍ شاهدَتها مِن أحمد الغزّاءُ
كانَ لِلدينِ حينَ تجري رواجٌ وَنَفاقٌ وللنفاقِ اِنتفاءُ
ثمّ عادَ النبيُّ وَالصحبُ بالفو زِ وَطابت بطيبةَ الأنداءُ
وَتَساوى بِطوعهِ الأسدُ الور دُ خُضوعاً والظبية الأدماءُ
وَاِستَقامت لهُ الأنامُ وقامَت بِرضاهُ الخضراءُ والغبراءُ
قادَهُم للرشادِ طوعاً وكرهاً سيفهُ وَالشريهةُ الغرّاءُ
غطفانٌ ذاتُ الرقاعِ بواطٌ دومةٌ والعشيرة الأبواءُ
بدر الأولى بدر الأخيرةُ بحرا نُ سُلَيمٌ لحيانُ والحمراءُ
غَزوةُ الغابةِ السويق بلا أَد نى قتالٍ فرّت بها الأعداءُ
وَسَراياه نحوَ سبعينَ ثمّت كانَ فيها مِن صحبهِ الأمراءُ
أَرسلَ الرسلَ لِلملوكِ فَفاهوا بِلُغاتٍ ما هُم بها علماءُ
صانَعوه مِن خَوفهم بِالهدايا ليسَ يُغني عن الهدى الإهداءُ
وَأَتاهُ الوفودُ مِن كلّ وجهٍ سَرواتُ القبائلِ الوجهاءُ
فَحَباهُم برّاً وبُرءاً فَعادوا وَهُم من خلافهِ برءاءُ
حَجَّ حجّ الوداعِ إذ كَمُلَ الدي نُ وغبّ الوداع كان اللقاءُ
صَحِبَته صَحبٌ إلى كلّ خيرٍ هُم سراعٌ عَن كلّ شرٍّ بطاءُ
يمَّموا في البِطاح للَّه جلّ ال لَه بَيتاً له البروجُ فداءُ
هوَ منهُ مَثابةٌ يرجعُ النا سُ إِليهِ وهُم بهِ أمَناءُ
قِبلةُ المُؤمنينَ في الأرضِ للَ هِ تَعالى وهو الصراط السواءُ
سيّد الأرضِ غيرَ بقعةِ خير ال خلقِ فهيَ الفريدة العلياءُ
هوَ قلبُ الأرضين والحجرُ الأس وَدُ لِلقلبِ حبّةٌ سوداءُ
وَسَوادٌ لمكّةٍ وهيَ عينُ ال أَرَضين الكحيلة الدعجاءُ
قَد كَستهُ القلوبُ والأعينُ الحو رُ لِباساً به يروق اِكتساءُ
فَثَوى كالمليكِ مِن حوله النا سُ رَعايا لهم إليهِ اِلتجاءُ
وَإِذا ما اِصطفى المُهيمنُ شيئاً شَرّفَ الشيءَ ذلك الإصطفاءُ
وَالصفا مَروةٌ منىً عرفاتٌ مثلُ جَمعٍ عمّ الجميعَ الصفاءُ
خيرُ حجٍّ في الدهرِ حجّوه لمّا كانَ مِنهم بالشارعِ الإقتداءُ
قَد قضَوا دَينَ نُسكهم لكريمٍ عَن جميعِ الوَرى له اِستغناءُ
لَهمُ الحظُّ لا له في ديونٍ قَد وَفوها لهُ ومنه الوفاءُ
فَرضهُ أيُّ نعمةٍ وأداءُ ال فَرضِ أُخرى لا تُحصرُ الآلاءُ
فَلهُ الحمدُ وهو منهُ على الرف دِ فمنهُ النعمى ومنه الثناءُ
أكملَ اليومَ دينَهم رضيَ الإس لام ديناً وتمّت النعماءُ
ثمّ ماتَ النبيُّ بَل أفلَت شَم سُ الهُدى واِستمرّت الظلماءُ
فَجَميعُ الأنامِ منهُ إلى الحش رِ بليلٍ نجومهُ الأولياءُ
كانَتِ الكائناتُ تفديهِ لو يق بَلُ مِنها عنه لديهِ الفِداءُ
خَيّروهُ فاِختارَ أَعلى رفيقٍ لَو أرادَ البقاءُ كان البقاءُ
وهو باقٍ باللَه في كلّ حالٍ قبل موتٍ وبعد موتٍ سواءُ
لقيَ اللَّه دون سبقِ فراقٍ إنّما أكّدَ اللّقاءَ لقاءُ
مَوتهُ نَقلةٌ لأعلى فأعلى كلُّ علياءَ فوقها علياءُ
ما أُصِبنا بِمثلهِ والبرايا لَن يُصابوا وهَل له مثلاءُ
هوَ حَيٌّ في قبرهِ ولهذا حُرِمَت مِن تراثهِ الزهراءُ
وَرّثَ العلمَ والشريعة لا الما لَ وَوُرّاثه هم العلماءُ
خصّه اللَّه بالحياةِ على أك ملِ حالٍ يسيرُ حيث يشاءُ
كَم رآهُ بيقظةٍ ومنامٍ مِن محبّيه سادةٌ أصفياءُ
ليسَ تَبدو للعينِ شمسٌ بماءٍ أَو هواءٍ إلّا وثمّ صفاءُ
واِستفاضَت بصدقهِ معجزاتٌ بعضُها كلُّ ما أتى الأنبياءُ
عمّتِ العالَمين علواً وسفلاً وَأطاعتهُ أرضُها والسماءُ
مَنعَ الجنّ في السماءِ اِستراقً الس سمعِ من بعدِ بعثه خُفَراءُ
طَردوهم بالشهبِ عنها ففرّوا مِثلما يطردُ الظلامَ الضياءُ
وَدَعا اللَّه أَن تعودَ له الشم سُ فَعادت كما روت أسماءُ
وَعَليهِ الغمامُ ظلّل حتّى مِثلَ بردِ الأصيل أضحى الضحاءُ
عَلمَ الغيبَ فالدهورَ كآنٍ هو فيهِ والكائناتُ إناءُ
ما دَعا اللَّهَ ربّه في أمورٍ كيفَ كانَت إلّا اِستجيب الدعاءُ
طالَما أُحييَت بدعوتهِ مو تى وماتت بدعوةٍ أحياءُ
كَم عيونٍ عُميٍ ورمدٍ شفاها حَسَدتها سوادَها الزرقاءُ
وَبِلمسٍ شَفى الجراحَ وأَبرا كلَّ داءٍ وليسَ ثمّ دواءُ
سَمِعته الحجارةُ الصمُّ يدعو سَلّمت حين صحّ منه اِدّعاءُ
لَو رآها المسيحُ قال مُقرّاً هيَ حقٌّ لم يلحق الإبراءُ
قَد حباها الحيُّ القدير حياةً مَع نطقٍ ما الميتُ ما الإحياءُ
حنّ جذعُ النخيلِ حين نأى عن هُ حَنيناً كأنّه عشراءُ
لَو قَلاهُ ولَم يصلهُ بضمٍّ أحرَقتهُ مِن وجده الصعداءُ
وَأَتاهُ منَ الفلا شجراتٌ إِذ دَعاها كالسفنِ والأرض ماءُ
وَعَليه الفيءُ اِنحنى بحنوٍّ كَيفَما مالَ مالت الأفياءُ
وَالحَصى سبّحت لعظمِ بنيٍّ جلَّ قَدراً وجلّت الخلفاءُ
مِثلَما سبّح الطعامُ سروراً حينَ همّت بضمّه الأحشاءُ
وَغَدا تحتَ رجلهِ الصخرُ كالرم لِ وَكالصخرِ رَملةٌ وعساءُ
لا تَلوموا لرجفةٍ واِضطرابٍ أُحداً إذ علاه فالوجد داءُ
أُحدٌ لا يلام فهو مُحبٌّ وَلَكم أطربَ المحبّ لقاءُ
رعدةٌ مِن هواهُ هاجت كحُمّى بَرَدَت بعدَ حرّها الأعضاءُ
مُذ شفاهُ بضربِ أبركِ رجلٍ قائلَ اِثبُت لم تعره عرواءُ
حَذّرتهُ شاةُ اليهود من السم مِ بنطقٍ إخفاؤه إبداءُ
حَييت شاتُهم بِسمٍّ مميتٍ حينَ ماتوا غيظاً وهم أحياءُ
غيرُ بدعٍ أَن أَفصحت ظبيةُ القا عِ بنطقٍ فإنّها الخنساءُ
قَد أتتهُ الضبابُ تشهدُ بالصد قِ وَزكّت بالحقّ تلك الظباءُ
وَالبعيرُ اِدّعى فكانَ له الحك مُ لديهِ إِذ جارتِ الخصماءُ
وَبهِ اِختارتِ المقامَ على مس جدهِ يومَ هاجرَ العضباءُ
فَعَلت بالبروكِ مثل صناعٍ ثمّ ثارَت كأنّها خرقاءُ
سابَقت بعضَها المهاري لنحرٍ فَكأنّ الدماء للوِرد ماءُ
جَدولاً ظنّتِ الحديدَ فعبّت فيهِ كوماءُ بعدها كوماءُ
قَد أَطاعتهُ في منىً للمنايا كيفَ تَعصيه للمُنى العقلاءُ
زَهِدَ الذئبُ راحَ يَرعى المواشي أَسَمِعتم أنّ الذئاب رعاءُ
فقّهَ الناسَ بالنبيّ بِنطقٍ أَذِئابٌ بين الورى فقهاءُ
كَم مياهٍ لَه بنبعٍ وهمعٍ أَرسَلتها الغبراء والخضراءُ
ربَّ جدبٍ قَد جرّد النبتَ فالأر ضَ منَ الجدبِ ناقةٌ جرباءُ
وَالورى كلُّهم جِياعٌ عطاشٌ بردَ الفرنُ واِستشنّ السقاءُ
زالَ لمّا اِستقى النبيُّ فَفاض ال خصبُ فَيضاً وغاض ذاك الغلاءُ
قَد دَعا اللَّه قالباً لرداهُ جلّ مَن قَد حواهُ هذا الرداءُ
قَلبَ اللَّه ذلكَ الحالَ بالحا لِ لَديهم فصار يُشكى الشتاءُ
وَأَشارَ النبيُّ للسحبِ كفّي حَيِيَت أَرضُنا فماذا البكاءُ
ضَحكَ الناسُ للغياثِ وصارت تضحكُ الأرضُ منهم والسماءُ
طَربَ الكلُّ شاربين حميّا ال غَيثِ والأرضُ روضةٌ غنّاءُ
نَبَع الماءُ مِن أصابعِ طه أينَ موسى وأين الاِستسقاءُ
أَصدَرت ركوةٌ مئين رِواءً وَرَدوها وهُم عطاشٌ ظماءُ
وَإِناءٌ لديهِ أروى ألوفاً في تَبوكٍ للَّه هذا الإناءُ
وَعيونٌ تبضُّ مثلَ شراكٍ ليسَ يُحصى في وردها الشركاءُ
ربَّ قوتٍ لا يُشبعَ الرهطَ منه كانَ للألفِ والألوف اِكتفاءُ
قَد كَفى جيشهُ بِصاع طعامٍ فَتعجَّب أَما لهم أمعاءُ
وَعَناقٌ كفَت ولَو مِن سواهُ ما كَفتهم لَو أنّها العنقاءُ
عاشَ دهراً أبو هريرةَ والمز وَدُ منهُ طعامهُ والعطاءُ
وَببدرٍ لَدى عكاشةَ صارَت منهُ سَيفاً جريدةٌ جرداءُ
وَلِذي النورِ أشرقَ السوطُ كالمص باحِ منهُ والجبهةُ الغرّاءُ
وَلسلمانَ كَم بَدت معجزاتٌ فوقَ ما قاله له العلماءُ
مائةٌ أربعٌ وعشرونَ ألفاً صحبُ طه وكلّهم سعداءُ
لَيسَ مِنهم مَن لم يشاهد دليلاً كانَ منهُ بنوره الإهتداءُ
كَثُرت مُعجزاتهُ فالنجومُ الز زهرُ تُحصى وَما لها إحصاءُ
وَتَعدّت آياتهُ كلَّ عدٍّ وَقَصى عن حِسابها اِستقصاءُ
وَالكراماتُ كلّها مُعجِزاتٌ منهُ كانت لَها الغيوب وعاءُ
أَظهَرتها الأخيارُ كالقادحِ الزن دِ مَتى اِحتاجَ بان منه الضياءُ
وَلهُ مُعجزات كلّ نبيٍّ هيَ حقٌّ وكلّهم أمناءُ
هُم جَميعاً أَضواؤهُ سبَقوه وَعَلى الشمسِ تسبق الأضواءُ
وَأَتى بعدَهم فأحيا البَرايا مِثلَما يَتبعُ البروقَ الحياءُ
وَاِستمرّت ولايةُ اللَّه إذ تم مَ بهِ للنبوّة الإرتقاءُ
فَهوَ كانَ الوسيط في خير قومٍ حولهُ الأنبياءُ والأولياءُ
كَمليكٍ به أحاطت جيوشٌ منهمُ الحارسونَ والأمراءُ
أَجملُ العالمينَ خَلقاً وخُلقاً ما لهُ في جماله نظراءُ
جاوزَ الحدَّ بالجمالِ فلا الطر فُ مُحيطٌ به ولا الإطراءُ
يوسفُ الحسنِ أُعطيَ النصفَ منه وَبِذاك النصفِ اِفتتن النساءُ
وَحَباهُ اللّه الجميعَ ولكن ما جَلاه الناظرينَ اِجتلاءُ
قَد وَقى حُسنه جلالاً وقاه ذا لِهذا وذا لهذا وقاءُ
مَنعَ البعضُ سطوةَ البعض كلٌّ كفؤُ كلٍّ هذا لهذا إزاءُ
خَوفُ هذا يُدني المنيّة لولا ذاكَ يُبقي الحياةَ فيه الرجاءُ
كلُّ ما فيهِ غايةُ الحسنِ فيه وَمَزاياهُ كلُّها حسناءُ
قامةٌ رَبعةٌ ووجهٌ جَميلٌ لِحيةٌ مع جَمالِها كثّاءُ
لَم يُكلثَم ولَم يَطُل منه وجهٌ وَبِخدّيه رقّةٌ واِستواءُ
أَبيضٌ مشربُ اِحمرارٍ علاهُ جُمّةٌ فوقَ جيده سوداءُ
رَأسهُ الضخمُ فاحمُ الشَعرِ رجلاً ليسَ سبطاً وليس فيه اِلتواءُ
أَبهجٌ أَبلجٌ أزجُّ أسيل ال خدِّ أَقنى وَجبهةٌ جلواءُ
أَكحلُ الجفنِ أدعجُ العينِ نجلا شُكلةٌ في سوادها هدباءُ
أَشنبٌ أفلجٌ ضليعٌ إذا فا هَ تَلالا كالنورِ منه البهاءُ
أَشبَهَت جيدهُ اِعتدالاً وحسناً دُميةٌ مَع بياضِها جيداءُ
واسِعُ الصدرِ فيه شعرٌ دقيقٌ معهُ البطنُ في اِرتقاعٍ سواءُ
ظَهرهُ خاتمُ النبوّة فيهِ أَسفلَ الكتفِ حليةٌ حسناءُ
أَجردُ الجسمِ لحمهُ باِعتدالٍ أَزهرُ اللونِ كاللّجين الصفاءُ
وَهو شثنُ الأطرافِ ضخمُ الكرا ديسِ لكن رجلهُ خمصاءُ
كانَ نوراً في الأرضِ ليسَ له ظل لٌ وهل أَنشأ الظِلالَ ضياءُ
كانَ في الليلِ ينظرُ الشيء سيّا نَ لديهِ الضياءُ والظلماءُ
كانَ من خلفِهِ يَرى الناسَ فالخل فُ لديهِ كأنّه تلقاءُ
كانَ كالمسكِ يقطرُ الجسمُ منه عَرقاً عَن مداهُ يكبو الكباءُ
كانَ لينُ الحريرِ في راحتيهِ وَشَذا المسكِ فيهما والذكاءُ
كانَ إن مرّ سالكاً في طريق أَرِجَت مِن أريجهِ الأرجاءُ
كانَ هَذا من غير طيبٍ أتاهُ إِذ هو الطيبُ والأديم وعاءُ
كانَ يُرضيه كلّ طيبٍ ولكن زادَ فَضلاً بزهره الحنّاءُ
كانَ إِن فاهَ أحسنَ الناسِ صوتاً وَبعيدَ المدى رواه البراءُ
كانَ يفترُّ عَن سنا البرق بسّا مَ الثنايا وضحكهُ اِستحياءُ
كانَ يَبكي بدونِ صوتٍ كما يض حَكُ قَد طاب ضحكهُ والبكاءُ
كانَ يحكي الكلامَ أبيَنَ قولٍ ليسَ سَرداً وليس فيه هراءُ
كانَ لا يأنفُ التواضعُ مهما جلَّ قَدراً وما له كبرياءُ
كانَ أَعلى الأنامِ في الكونِ زُهداً قَد تَساوى الإقتارُ والإثراءُ
كانَ لَو شاءَ أَن تكونَ لَكانت ذَهَباً مع جِبالها البطحاءُ
كانَ يُعطي الديباجَ والخزَّ للنا سِ وَتكفيهِ شملةٌ وكساءُ
كانَ يَبقى شَهراً وأكثر لا يو قِدُ ناراً والعيش تمرٌ وماءُ
كانَ يَرضى بالأسودَين ويُرضي النا سَ منهُ البيضاء والصفراءُ
كانَ لَم يجتَمع لديهِ من الخب زِ بلحمٍ غداؤهُ والعشاءُ
كانَ يَكفيهِ عَن عشاءٍ غداءٌ وعَشاءٌ به يكون اِكتفاءُ
كانَ مثلَ المسكينِ يجلس للأك لِ فَلا مُتّكا له لا اِتّكاءُ
كانَ يُرضيهِ كلُّ طعم حلالٍ وَلديهِ المحبوبةُ الحلواءُ
كانَ يَهوى اللحومَ طَبخاً وشيّاً عَن يسارٍ ومثلُها الدبّاءُ
كانَ يَهوى بعضَ البقولِ كَما جا ءَ وَمِنها الشمارُ والهندباءُ
كانَ يَهوى زُبداً بتمرٍ ومما كانَ يَهوى البطّيخ والقثّاءُ
كانَ يَهوى عذب المِياه فَيستع ذِبها مِن بيوتها السقّاءُ
كانَ يهوى الشرابَ ماءً وشهداً فهوَ لِلجسمِ لذّةٌ وشفاءُ
كانَ فوقَ الحصيرِ يرقُد زهداً أَو أديمٌ حشي بليفٍ وطاءُ
كانَ هَذا فِراشهُ ومنَ الصو فِ دِثارٌ بهِ يكون الغطاءُ
كانَ إن نامَنامَ يذكُر مَولا هُ تَعالى ونومُه إغفاءُ
كانَ يَستَيقظ الكثيرَ منَ اللي لِ يصلّي لا سمعةٌ لا رياءُ
كانَ يَمشي هوناً فيسبقُ كلّ الصح بِ والكلّ مُسرعٌ مشّاءُ
كانَ قَد يركبُ الحمارَ عُفَيراً وَمَشى حافياً وغاب الرداءُ
كانَ خيرَ الأنامِ خُلقاً فلا ال فحشُ ملمٌّ بهِ ولا الفحشاءُ
كانَ من ساءَهُ حباهُ وأبدى ال عذرَ حتّى ظنّ المسيء المساءُ
كانَ عن قُدرةٍ صفوحاً سموحاً ليسَ في الناس مثله سُمَحاءُ
كانَ يَرضى بالفقرِ زُهداً ويعطي ال وفرَ حتّى تستغنيَ الفقراءُ
كانَ بالخيرِ يسبقُ الريحَ جوداً أينَ منهُ الجنوب والجربياءُ
كانَ أَندى الأجوادِ كفّاً وما كف فتهُ عن حاجةِ الورى الحوجاءُ
كانَ لَم يدّخر سِوى قوت عامٍ ثمَّ يَأتي عليه بعدُ العطاءُ
كانَ أَقوى الأنام بطشاً وإن صا رَعَ ذلّت لبطشه الأقوياءُ
كانَ خيرَ الشجعانِ في كلّ حربٍ كيفَ يَخشى واللَّه منه الكلاءُ
كانَ للَّه سخطهُ ورضاهُ بِرضى ربّه له اِسترضاءُ
كانَ برّاً بالمؤمنينَ رؤوفاً وَرَحيماً وصحبهُ رحماءُ
كانَ فيهِ القرآنُ خُلقاً كريماً شدَّةٌ في محلّها ورخاءُ
كانَ خيرَ الأخيارِ رِفقاً وكلُّ الل لطفِ منه قَد ناله اللطفاءُ
كانَ أَتقى للَّه مِن كلِّ عبدٍ أينَ منهُ العبادُ والأتقياءُ
كانَ خيرَ الأنامِ في كلِّ خيرٍ ما لِخلقٍ سِواه معه اِستواءُ
كانَ مَغفورَ كلِّ ذنبٍ ولا ذن بَ وَلكن بالصفحِ تمّ الصفاءُ
سيّدَ الرسلِ يا أبا الكونِ يا أوّل خلقٍ يا من به الإنتهاءُ
سَوفَ يَبدو في الحشرِ جاهُك كالشم سِ مَتى أعوزَ الأنام الضياءُ
سابِقُ الخلقِ أَنت بالبعثِ والرس لُ جنودٌ وفي يديك اللواءُ
خصَّك اللَّه بالشفاعةِ فَرداً في مقامٍ يخافه الأنبياءُ
أَنتَ فيه الإمامُ تسجدُ للَ هِ وكلّ الورى هناك وراءُ
وَلَك الحوضُ دونهُ الشهدُ والمس ك وَما الشاربونُ منه ظماءُ
وَلكَ الأمّةُ المحجّلةُ السا بقةُ الخلق خلفك الغرّاءُ
أَنتَ أصلُ الجنانِ يا سابق الكل لِ إليها يهنيك منك الهناءُ
خصّكَ اللَّه بالوسيلةِ فيها رُتبةٌ فوق خلقهِ علياءُ
فَوقكَ اللَّه عزّ جلّ تعالى ثمَّ أنتَ الأمّارُ والنهّاءُ
كلُّ خلقٍ هناك دونك في كل لِ كمالٍ تعذّرَ الإحصاءُ
سيّدي يا أبا البتولِ سؤالٌ مِن فَقيرٍ جوابه الإعطاءُ
جِئتُ أَبغي منكَ النوال وعندي منكَ يا أعلمَ الورى اِستفتاءُ
ما تقولونَ سادَتي في محبٍّ مَطلَ الصيفُ وعده والشتاءُ
يَبتَغي قُربَكم فينأي كأنّ ال عَبدَ منهُ للإبتعاد اِبتغاءُ
كُلّ عامٍ يقولُ كِدنا وكانَ ال وَصلُ يَدنو وَما لكادَ اِنتهاءُ
قَصرَت عَن خُطا الكرامِ خُطاه في سبيلِ الهدى وطال الحفاءُ
وَهوَ عارٍ ممّا يقي الحرّ من أع مالِ خيرٍ لا كسوةٌ لا كساءُ
وَفقيرُ الأعمالِ والمالِ والحا لِ فَقيرٌ في ضمنهِ فقراءُ
ما اِجتَدى قطُّ مِن سِواكم نوالاً سيّءٌ مِن سواكمُ الإجتداءُ
وَأَتاكُم يَبغي نداكم وقد عم مَ البرايا من بحركم الإجتداءُ
يَبتَغي الحبَّ يَبتغي القُرب يبغي كلَّ خَيرٍ قد ناله السعداءُ
يَبتَغي أَن تحيلَ منهُ الخطايا حَسناتٍ من جودكَ الكيمياءُ
يَبتَغي عيشةً لديكُم يطيب الس سرُّ فيها وتحصل السرّاءُ
يَبتَغي في جِواركم خيرَ موتٍ نالهُ الصالِحون والشهداءُ
وَأَتاكُم مُستَشفعاً بِأخيكم جِبرئيلٍ ومن حوَتهُ السماءُ
وَبِأولادِكم رُقيّة عبد ال لَهِ مِنهم وللبتول اِرتقاءُ
أمُّ كلثوم زينب القاسم إبرا هيمُ نعمَ البنات والأبناءُ
وَبِأهلِ العباءِ أنت عليٌّ حَسنٌ والحسين والزهراءُ
وَبنيهِم ومَن تناسلَ منهُم فَلَهم حكمُ مَن حواهُ العباءُ
أَذهبَ اللَّه رِجسهم فهم مِن كلِّ عَيبٍ عاب الورى أبرياءُ
حبُّهم جنّةُ المحبِّ إذا لم تَصحَبَنهُ لصحبك البغضاءُ
سادَتي يا بني النبيّ نداءٌ مِن عُبيدٍ يُرضيه هذا النداءُ
سادةُ الناسِ أنتُم باِتّفاقٍ وَخلافٌ في غيركم أو خفاءُ
ما اِدّعيتُم فضلاً على الخلق إلّا سلّمتهُ الأعداء والأصدقاءُ
إنّما يحصرُ الإمامةَ باِثني عشرَ الخاطئون وهو خطاءُ
فَلَقد قلَّ ألفُ ألفِ إمام مِنكم جائزٌ بهم الاِقتداءُ
أنتُم كلّكم أمانٌ لأهلِ ال أرضِ إِن زلتمُ أتاها الفناءُ
وَبِكم تؤمنُ الضلالةُ كالقر آن فيكم للمقتدين اِهتداءُ
أَنتُم للنجاةِ خيرُ سفينٍ كلَّما فاضَ في البرايا البلاءُ
أَنتُم بضعة النبيّ فكونوا كيفَ كُنتم فما لكم أكفاءُ
جَدُّكم شاءَ أن تَكونوا كما كا نَ بِعيشٍ هو الكفاف الكِفاءُ
لو أَراد الغِنى لأنبتتِ الأر ضُ نُضاراً وأمطرته السماءُ
فَتأسّوا بِسادةٍ سَبقوكم فَارَقوها ومنيةُ النفس ماءُ
قَد مضَوا غارقينَ في رحمةِ اللَ هِ وَباءت بسخطه الأعداءُ
وَبعمّيكَ حمزةٍ وأبي الفض ل أخيه ومن حواه الكساءُ
وَبِأهلِ التوحيدِ من أهلِ قربا كَ وَبالشركِ تبعد القرباءُ
مَن سألتَ الودادَ بالحصرِ فيهم لكَ أجراً وقلّ هذا الجزاءُ
وَبِزوجاتكَ الألى عمّهنَّ ال فَضلُ إِذ ضمّهنّ منك البناءُ
سَبقتهنّ والجميعُ جيادٌ للمَعالي خديجة الغرّاءُ
وَبروحي فخرُ النساءِ على الإط لاق ذات الفضائل الحمراءُ
بنتُ صدّيقكَ الأحبّ من الكل لِ إِليك الصدّيقة العذراءُ
أَعلمُ العالِمات في الناس عنها قَد روى شطرَ ديننا العلماءُ
ذاتُ فضلٍ لو كان يقسمُ في كل لِ نِساءِ الورى فضلن النساءُ
مَن أراكَ الرحمنُ صورَتها قب لُ حَوتها الحريرة الخضراءُ
بينَ سحرٍ لها ونحرٍ وفاةٌ لكَ كانَت يا نعمَ هذا الوفاءُ
سهّلَ الموتُ رؤيةَ اليد في الجن نَةِ مِنها وهيَ اليد البيضاءُ
رضيَ اللَّه عَن أَبيها وعنها وَرضيتُم فَلتسخط الثقلاءُ
حبّذا حفصةٌ فقَد جاءَ عن جب ريلَ فيها عن الإلهِ الثناءُ
حبّذا زينبُ الّتي زوّج اللَ هُ وطالَ الجميع منها السخاءُ
سَودةٌ زينبٌ جويريةٌ رَم لةٌ هندٌ ميمونةٌ والصفاءُ
هنّ كالسابقاتِ خير نساءٍ خيّراتٍ أصولها أصلاءُ
أمّهاتٌ للمُؤمنين بهنّ ال فخر نالت أمّ الورى حوّاءُ
وَبصدّيقكَ الكبيرِ إمام الص صحبِ والكلّ سادةٌ كبراءُ
وهِزبرٍ بهِ الملوك بنو الأص فرِ بادوا وفارسُ الحمراءُ
وبزوجِ النورَين خير حييٍّ منهُ يأتي الملائك اِستحياءُ
وَبِمَولىً خلّفت يوم تبوكٍ منكَ في خيبرٍ أتاه اللواءُ
فَضلهُم هكَذا اِستقرّ ولكن زادَ عدّاً فما له اِستقراءُ
وَبِكلِّ الأصحابِ والتابعيهم وَالأُلى بعدَهم ثلاثٌ ولاءُ
وَبِأهلِ الحديثِ مَن بلّغوه وِلنعمَ الأئمّة الفقهاءُ
حَفِظوا بعدكَ الشريعةَ حتّى صارَ مِنها للواردينَ اِرتواءُ
وَالأُلى سهّلوا المذاهبَ فيها حيثُ تَجري ساداتنا العلماءُ
وَالأُلى أَظهروا الطرائقَ منها بِسلوكٍ ما شانهُ إغواءُ
وَهمُ العارفونَ باللَّه أهل ال حَقّ أهلُ الحقائق الأولياءُ
فَهَدى الناسَ لَفظُها وَمعاني ها وَأَسرارها وكلٌّ ضياءُ
بِمحبّيكَ مِن فَنوا بكَ حبّاً وَلَهُم بِالفناءِ كان البقاءُ
وَبكلِّ الأخيارِ مِن أمّة عي سى خِتامٌ لها وأنت اِبتداءُ
حالةُ العبدِ يا شفيعَ البرايا وَهُم كلُّهم له شفعاءُ
أتُراهُ وَالحالُ هذا أبا القا سمِ حِلٌّ عن مثلهِ الإغضاءُ
أَتُراه يجوزُ من غير برٍّ وَيجوزُ القِلى له والجفاءُ
أَو يكونُ القبولُ منكم جواباً وَجَزاءً له ونعم الجزاءُ
لَكُمُ الفضلُ كيف كنتم ولكن ما تقولُ الشريعةُ الغرّاءُ
جئتَ فيها بكلِّ خلقٍ كريمٍ يا سِراجاً بهِ الكرامُ اِستضاؤوا
سيّدَ العالمينَ يا بحرَ جودٍ قَطرةٌ من سخائهِ الأسخياءُ
هَذهِ طيبةٌ بمدحكَ قد طا لَت وَطابَ الإنشادُ والإنشاءُ
كلَّها وهيَ ألف بيتٍ قصورٌ عنكَ ضاقت وإنّها فيحاءُ
سَكَنتها أبكارُ غرِّ المعاني منكَ فهيَ المدينة العذراءُ
كلُّ معنىً بلقيسُ والبيت صرحٌ ومنَ الدرّ لا الزجاج البناءُ
سِرتُ فيها بإثر شيخٍ إمامٍ قَد أقرّت بسبقه الشعراءُ
وَبِحَسبي أنّي المصلّي وأنّ ال مُنشديها كأنّهم قرّاءُ
أَنتَ عنّي وعَن ثنائي غنيٌّ ما لعلياكَ بالثناءِ اِعتلاءُ
إنّما أَنتَ سيّدٌ أريحِيٌّ لكَ قَبلي بالمادحين اِحتفاءُ
وَإِذا لَم أكُن بمدحكَ حسّا ناً فَهذي قصيدتي حسناءُ
لَو رَآها كعبٌ لقال سعادٌ أمَةٌ من إمائها سوداءُ
ما لَها في الكِرامِ غيرك كفؤٌ بانَ عنها الأكفاءُ والإكفاءُ
لَم تزِد قدركَ الرفيعَ سوى ما زادَ في الشمس من سناها البهاءُ
هيَ أوصافُكَ الجميلةُ إن كا نَت قَصيداً أو لم تكنه سواءُ
أَنا أدريكَ سابق المدحِ مهما بالَغت في مديحكَ البلغاءُ
لا وصولٌ لغيرِ مبدأِ عُليا كَ وما للعقول بعد اِرتقاءُ
قاصرٌ عن بلوغِ فضلكَ مدح هوَ في كلّ فاضلٍ إطراءُ
كلُّ وصفٍ في العالمين جميلٍ لكَ مَهما تعدّد الأسماءُ
فَلَك الحمدُ يا محمّدُ يا أح مَدُ مِن كلّ حامدٍ والثناءُ
أنتَ أَزكى الأنامِ في كلّ خيرٍ لِلمزكّينَ منك جاء الزكاءُ
في ثناءِ المثنينَ نعماء لكن منكَ كانت عليهم النعماءُ
لم يُزاحِم مدّاحكَ البعضَ بعضاً أنتَ بحرٌ والمادحون دلاءُ
وَعَجيبٌ دعواهمُ فيك مدحاً منكَ فيه الإمداد والإملاءُ
كانَ مِنهم إنشادهُ حينَ يسري الس سرُّ فيهم فينشأ الإنشاءُ
وَاِعتقادي أَن لو مُدحتَ بسفرٍ عَرضهُ الأرضُ كلّها والسماءُ
ما حَوى مِن غزيرِ فضلكَ إلّا مثلَ ما حازَ من بحارٍ ركاءُ
مَثَلي فيكَ في مَديحي كما لو وصفَ العرشَ ذرّةٌ عمشاءُ
وَصَفت ما رَأتهُ منه ولكن فاقَ منهُ العلوّ منك العلاءُ
غَير أنّي أدريكَ سمحاً سخيّاً عربيّاً يرضيك فيك الثناءُ
وَدَواعي حبٍّ دَعتني دعاوٍ هيَ منّي وما لها شهداءُ
واِحتِياجي إليكَ في كلّ ما يأ تي وجلّت فيما مضى الآلاءُ
وَبِقلبي وَقالبي كلّ داءٍ شفَّ روحي وأنتَ أنت الشفاءُ
فَحَداني هذا على خيرِ مدحٍ هزّ منه الأرواح نعم الحداءُ
لِقليلٍ ممّا منحتَ قضاءٌ هو منّي وللكثير اِقتضاءُ
لَم أَكُن أَستطيع لو لم يُعنّي منكَ سرٌّ وسيرةٌ حسناءُ
فَتَقبّل واِعطِف وكُن لي شفيعاً يومَ تحتاجُ فضلك الشفعاءُ
وَأَجِرني وعترَتي من زماني فَدواهيهِ كلّها دهياءُ
عادَ فيهِ الدينُ المبينُ كما قل تَ غَريباً وأهله غرباءُ
فَتداركهُ قبلَ أن تَخطُرَ الأخ طارُ فاليومَ مسّه الإعياءُ
وَتكرّم بشدّهِ فقُواه نالَها بالشدائدِ اِسترخاءُ
صارَ للشركِ في أذاهُ اِشتراكٌ حينَ ما للنِفاق عنه اِنتفاءُ
كَم أبو جهل اِستطالَ على الدي نِ وكَم ذا أزرت به الجهلاءُ
وَلَكم في ثيابهِ ابن سلولٍ شاكهُ مِن نفاقه سلّاءُ
ما اِغتراري بمَن تلوّن منهم وَالأفاعي أشرُّها الرقطاءُ
مِلءُ قَلبي محبّةٌ لمحبّي كَ وإِن قلّ في فؤادي الصفاءُ
وَاِرتِياحي في بغضِ قومٍ لديهم لكَ يا سيّد الورى بغضاءُ
لا أُواليهمُ الزمانَ ولا هم ليَ ما ذرّ شارقٌ أولياءُ
لا يراني الرحمن إلّا عدوّاً لأعاديكَ أحسنوا أم أساؤوا
رضيَ اللَّه مَن رضيتُ ومن لم ترضَ عنهُ فاللَّه منه براءُ
فَاِرضَ عنّي باللَّه واِسمح وقُل لي قَد قَبِلناك أيّها الخطّاءُ
وَمنَ الفوزِ أن أكونَ لديكم ثاوياً لا يملّ منّي الثواءُ
ليتَ شِعري هل يقبلُ اللَّه شعري وَجَميعي عُجبٌ وكلّي رياءُ
بكَ أرجو قبولَهُ وقبولي محض فضلٍ ولن يخيب الرجاءُ
أنتَ شمسٌ وفي سناكَ ظهوري غيرُ مُستغربٍ لأنّي هباءُ
كَم فقيرٍ بلَحظةٍ منك أضحى عَن جميعِ الوَرى لهُ اِستغناءُ
قَد أجزت المدّاحَ قبلي فكانت سُنّةً واِقتدى بك الكرماءُ
فَأجِزني بِما تطيبُ بهِ نف سكَ فضلاً يا سمحُ يا معطاءُ
لَستُ أَبغي قدري ولا قدرَ شعري قدرَ جود المعطي يكون العطاءُ
وَبِحسبي صلاحُ ديني ودنيا يَ وحسُن الختام فيه اِكتفاءُ
فَعَليكَ الصلاةُ تبقى من اللَ هِ كَما شاء كثرةً وتشاءُ
وَعليكَ السلامُ منهُ على قَد رك قدرٌ لا يعتريه فناءُ
وَعَلى الأولياءِ آلك والصح بِ ومن للجميع فيه ولاءُ
ما قَضى اللَّه في الورى لكَ مدحاً ولهُ الحمدُ كلّه والثناءُ